حوارات و تقارير

الحج في زمن الأجداد.. قصص وتجارب من منطقة جازان

دعاء رحيل

الحج.. منذ أكثر من قرن، كان موسم الحج يحمل بهجة واحتفالية كبيرة لأهل منطقة جازان في السعودية. قبل دخول شهر الحجة، كان الناس يستعدون لهذا الموسم العظيم بشكل مبكر، خاصة الراغبين في الحج من أصحاب المال والقدرة المادية والصحية. في ذلك الوقت، لم تكن وسائل النقل الحديثة متوفرة وكانت طريق الحج تحفها العديد من المخاطر، بما في ذلك المخاطر القاتلة.

قبل عيد الفطر المبارك، وأحيانًا قبله بشهور عديدة، كان الناس يستعدون لموسم الحج، خاصة من كانوا ينوون الحج من الميسورين. عندما ينوي شخص ما الحج، تبدأ معه مراسم وعادات وتقاليد وأهازيج شعبية رائعة بلهجة أهل المدن والقرى والجبال النائية. يبدأ الحاج في البحث عن رفقاء طيبين يساعدونه على فعل الخير. ثم يقوم بتجهيز رحلته بالجمال أو الحمير أو البغال. عادةً، كانت قافلة كبيرة من الجمال ترافق الحجاج، محملة بالمؤن والمواد الغذائية والمياه وحتى الأسلحة للتصدي لخطر قطّاع الطرق.

مغامرة خطيرة في الحج

في الماضي، كان الذهاب إلى الحج عبر البر يعتبر مغامرة خطيرة. كان الحاج يواجه مخاطر عديدة، بما في ذلك الأمراض الخطيرة والحيوانات المفترسة والجوع وقطّاع الطرق.

أما بالنسبة لأهل جزيرة فرسان، فكانوا يستخدمون البحر كطريق للحج. كانوا يتعرضون لأهوال البحر وأعاصيره وأمواجه العاتية. كانت الرحلة تستغرق عدة أشهر، يقضيها الحجاج في حل وترحال وتعب وخوف وألم على فراق أحبابهم وأبنائهم وأقاربهم.

عندما يعتزم شخص ما الحج، يبدأ أقاربه وجيرانه في التجمع في منزله قبل موعد السفر بعدة أسابيع. ينشدون أهازيج شعبية جميلة، كأنهم يودعون قريبهم المتجه إلى الحج. يتمنون له حجًا مبرورًا وسعيًا مشكورًا وعودًا حميدًا إلى أهله سالمًا معافى.

النساء يقمن في منزل الحاج، داعيات حزينات، يغنين أناشيد جميلة عند حلول أول يوم من شهر الحجة. قبل انتهاء موسم الحج بأيام، تستعد ربات البيوت لاستقبال ذويهم المتجهين إلى الكعبة بشوق بالغ. يرددون أهازيج شعبية جميلة تسمى “العَجل”، مأخوذة من التعجيل أو استعجال مجيء الحجاج. تقوم النساء بطلاء المنازل ودهنها بالنورة البيضاء أو الجس وتنظيف المنزل ومحيطه استعدادًا لعودة الحجاج.

مظاهر الاحتفاء بالحجاج

وفي هذا الصدد قال الدكتور محمد فوزي أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة مطروح، كان هنالك عادة جميلة قد اختفت هذه الأيام، وهي تجيز “قعادة الحاج”، التي هي كرسي خشبي أو سرير خشبي يصنع تكريمًا للحاج. تصنع من الخشب أو عيدان شجر السدر وفقًا لمواصفات خاصة. أثناء صناعتها، تتجمع النساء وترتفع زغاريد مُعلِّنَة فرح أسرة الحاج بقُرُبِ عودتِه.

بعد الانتهاء من تصليح وتزيين “قعادة الحاج”، يتم تخصيص كل ركبة أو جانب منها لواحدة من قريبات الحاج، مثل والدته وأخواته. يتم فرشها بالسجاد والمخدات الجميلة والجديدة ليجلس عليها الحاج بعد عودته، وسط مظاهر البهجة والسعادة والفرح. يُمنع أي شخص آخر من الجلوس على ذلك السرير الخشبي حتى عودة الحاج، ليكون هو أول شخص يجلس عليه احتفاءً به.

وتابع أستاذ التاريخ الإسلامي، على الرغم من اختفاء هذه المظاهر الاجتماعية في زمننا، إلا أن مظاهر الاحتفاء بالحجاج في وداعهم واستقبالهم مازالت قائمة حتى يومنا هذا في القرى والمدن على حد سواء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى