خميس القطيطي يكتب:غراب البين ينعى “اسرائيل”
خميس القطيطي يكتب:غراب البين ينعى “اسرائيل”
قد يُعزى العنوان إلى الغيبيات وتنبُّؤات العرَّافين، ولكنَّه يجد مكانًا له في السياق الراهن المحيط بالقضية الفلسطينيَّة على أرض الواقع، ولم يكُنْ من قبيل المصادفة أن يتشاءم العرب وغيرهم من غراب البين الذي ورد في كثير من الأدبيات العربية الدالَّة على الشؤم. وها هو مشهد الغراب وهو يُمزِّق علَم دولة بني صهيون يتكرَّر أكثر من مرَّة، ونحاول البحث في معطيات الواقع الصهيوني الذي يقابله أيضًا عناصر التقدُّم الفلسطيني لوضع النقاط على الحروف بإعلان نعي كما أراده غراب بني صهيون الذي علم بني آدم من قَبل كيف يواري سوءة أخيه بدفنه في التراب بعد الموت. واليوم يبدو أنَّه أراد تعليم بني «إسرائيل» أنَّ عاقبة إجرام أسلافهم باغتصاب أرض الغير والترهيب والمذابح التي يعفُّ القلم عن ذكر بشاعتها كما حدث في مذبحة دير ياسين التي مرَّت ذكراها الـ(75) في الرابع من أبريل الماضي، وها هو نفس الرقم يتكرر بمنتصف العقد الثامن لقيام دولة بني صهيون التي تأسَّست على القتل والترهيب والتشريد «ليعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون».
هناك أحداث متسارعة اليوم على الساحة الفلسطينيَّة تستقبل مشروع التحرير، وتؤكد أنَّ العدل الإلهي على حساب الظلم والعدوان هو آتٍ لا محالة وبات قريبًا. فجيش الاحتلال الذي كان يُسمَّى الجيش الذي لا يُقهَر يقف عاجزًا أين يتقدم أو يتأخر؟ هل في الشمال وما هو حجم الرَّد المقاوم؟ أم بالجنوب وهو يدرك أنَّ ما بعد سيف القدس ليس كما قَبله، فهناك صواريخ العزَّة والكرامة التي تنطلق وفقًا لسياسة رادعة مجدولة بدقَّة في غرفة عمليات مشتركة؟ أم أنَّه يفتح النار على مختلف الجبهات وهذه هي المصيبة الكبرى عندما تتوحد الساحات وقد جرَّب كيَّها و»مَن جرَّب الكيَّ لا ينسى مواجعه.. ومَن رأى السّمَّ لا يشقى كمَن شربا». إذن هناك حسابات صهيونية ملتبسة ومرتبكة وممارسات تعبِّر عن ضيق أُفق لهذا العدوِّ وحكومته اليمينية المتطرفة.
ها هو الشيخ الشهيد البطل خضر عدنان يترجل بعد اغتيال صهيوني في وقت دقيق للغاية وقد رسم الشيخ الشهيد حالة فلسطينيَّة مُشرِّفة سُجِّلت في تاريخ النضال والمقاومة «معركة الأمعاء الخاوية» بعد أكثر من (10) اعتقالات منذ عام 1997م وحتى يوم رحيله أمس 2 مايو 2023م وما يعنيه هذا التوقيت مايو/أيار في ذاكرة القضية ومتلازمة التاريخ الصهيوني بزوال دولتهم الأولى في هذا العقد الثامن بعد منتصف العقد، وزوال دولتهم الثانية في نفس العقد، ها هو يتكرر المشهد الذي يفسِّر التخبط الصهيوني! اليوم وافق انطلاق صواريخ غزة مع استهداف سيبراني كبير للقبة الحديدية وفشلت في اعتراض الصواريخ، وفي ذات الوقت رسالة شؤم أخرى حول مدى التقدُّم الفلسطيني وتراجع أدوات العدوِّ التي يُعوِّل عليها. إذن كلُّ تلك الأدوات من قبب حديدية وجيش مهزوم وروح معنوية هابطة وانقسام داخلي يزداد كلَّما تقدَّم الوقت قابله إضاءات عظيمة للمقاومة، ولم نستغرب هنا تصريحات قادة الكيان الصهيوني حول خطورة الوضع «الإسرائيلي» في هذا التوقيت.. فغروب شمس دولة بني صهيون الأولى جاء بعد انقسام فيها «يهودا والناصرة» والثانية سبقها انقسام داخلي فجاءتهم جيوش جرارة من بابل «السبي البابلي الأول» لذا ليس من قبيل المصادفة أن يأتي النذير من نفس الكائن الذي علَّم بني آدم من قَبل. وإذا عُدنا للدستور الإلهي في قوله تعالى: «وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إسرائيل اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا» ثم يختتم سبحانه وتعالى في الآية التي تليها تأكيدًا لوعْدِه الإلهي: «وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا» وهنا الوعد ليس فقط في القرآن الكريم، بل في كُتب سماوية أخرى، ولذلك فإنَّ أسلاف بني صهيون يعلمون ذلك جيدًا.
اليوم نقف في لحظة تاريخية، وما أدراك بالمتغيرات الكبرى القاصمة لظهر العدوِّ، هل تأتي من الانقسام؟ أم من صواريخ بعيدة المدى؟ أم من صواريخ قريبة؟ أم من عدَّة جبهات مقاومة؟ أم تشترك جميع المعطيات في ظلِّ متغيرات سياسية عالمية وإقليمية، وبالتالي فإنَّ تكرار مشهد غراب بني صهيون لا يُمثِّل مشهدًا عابرًا عندما تفرض المعطيات نفسها على أرض الواقع. وهنا لن نذكر بما قاله بعض حاخامات بني صهيون حول متلازمة العقد الثامن وعقدة الزوال أو بما عبَّر عنه قادة الكيان أو بعض التنبؤات التاريخية والأرقام الفلكية التي أكَّدها القرآن في سورة الإسراء ودقَّق بعض العلماء دلالاتها، وهنا لن نُعيِّن تاريخًا رقميًّا محددًا، لكن نستند على ما جاء في الوعد الإلهي في الآيات العشر الأولى من سورة الإسراء وقوله تعالى: «إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا» صدق الله العظيم.
الدلائل والمبشرات بالوعد الإلهي كلُّها تنبئ بالزوال، لذا ليس مصادفة أن يأتي غراب البين لينذر «بني إسرائيل» ويمزِّق عَلم دولتهم، فهو نذير شؤم ينعى دولتهم التي قامت على الظلم والعدوان؛ فارتكبت عصابات صهيون الجرائم بقتل الأطفال والنساء والكهول في مجازر جماعية لا تقبلها شرائع السماء، وقد أنذركم ربُّ السماء والأرض في الآيات اللاحقة من سورة الإسراء ربطًا بسياقها وإنذارًا منه سبحانه بقوله تعالى: «وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا» صدق الله العظيم، فيا بني صهيون هذه الأيام دوَل والقادم هو وعدٌ إلهي يقترب والأيام والأحداث الفارقة التي تحدث حبلى في أرض فلسطين أرض المحشر والمنشر وتنبئكم بالخطر وقد أعذر من أنذر. رحم الله شهداء فلسطين الأبرار، وأعزَّ الأبطال المقاومين، ونصر جنده على بني صهيون الظالمين، وحرَّر أسرانا البواسل الذين ضربوا أروع الأمثال، فلله العزة ولرسوله وللمؤمنين.