هنا شارع “الخرنفش” شريان القاهرة الفاطمية.. حي أثري ارتبط اسمه بـ “كسوة الكعبة”
أميرة جادو
تمتلئ القاهرة بالعديد من الشوراع التي تروي الكثير من الأسرار التي احتفظت بها من الوقائع والأحداث وكانت شاهدة على تاريخ الوطن، ويعد حي الخرنفش في حي الجمالية ضمن 18 حيا وشياخة تتوزع على جنبات شارع المعز لدين الله، ويحده من الشمال بالجزء الشرقي من شارع الخرنفش ومن الغرب حارة خميس العدس وحارة اليهود القرابين، ومن الجنوب عطفة المصفى وعطفة الذهبي ومن الشرق حارة البرقوقية ومدخل شارع الخرنفش، من الشوارع التي تعتبر كتاب مفتوح يحكي تاريخ المدينة والأحداث التي وقعت بها.
سبب التسمية
والخرنفش مادة تتحجر مما يوقد على مياه الحمامات القديمة من الأزبال وغيرها، وكانت تستعمل مع الجير مونة للبناء، وقد استخدمها الخليفة العزيز بالله في بناء القصر الغربي، الذي كان يتوج المنطقة، لذا عرف الشارع باسمها.
وفي الحقيقة لم يكن اسم الشارع هكذا، فقد ذكره باسم “الخرنشف”، وقال عنه ابن تغري بردي أنه كان قديمًا ميدانًا للخلفاء، فلما تسلطن المعز أيبك التركماني بنوا به إصطبلات، وكذلك القصر الغربي، وكانت النساء اللاتي أخرجن منه سكنَ بالقصر النافعي، فامتدت الأيدي إلى طوبه وأخشابه وحجارته، فتلاشى حاله وتهدم وتشعث، فسمي بـ “الخرنشف” لهذا المقتضى، وإلا فكان هذا الميدان من محسن الدنيا، وأورده “المقريزي” باسم “الخرشنف”، وأيًا كان الأمر، فقد حرف الاسم إلى “الخرنفش”، المستخدم حاليًا.
وترسخ هذا الاسم عندما أطلق على دار فخمة بنيت في أول الشارع ووصفها المقريزي قائلاً: “هي من أجل دور القاهرة وأعظمها، أنفق في زخرفتها سبعة عشر ألف درهم”.
دار الخرنفش
وتم بناء دار الخرنفش التي بالشارع على يد الأمير “سيف الدين أبو سعيد خليل” الذي ولد في مدينة حلب، وجاء إلى مصر وهو مازال طفلاً فرباه وعلمه فنون الفروسية الملك الأشرف خليل. وبمجرد أن اعتلى السلطان الناصر محمد بن قلاوون العرش المملوكي قربه إليه وأنابه عنه في حكم دمشق، غير أنه لم ينعم بهذا المنصب ورضا السلطان طويلاً، فقد وشى به بعض الوشاة، فغضب عليه السلطان، وأحضره إلى القلعة وجرده من مناصبه وأمواله، وسجنه في القلعة، ثم نقل إلى سجن بالإسكندرية، حيث مكث شهرًا ثم نفذ فيه حكم الإعدام.
دار الوزارة في العهد الفاطمي
وقد ضم الشارع دار الوزارة في العهد الفاطمي، ثم أصبحت مقر استقبال المبعوثين والرسل. وعندما قرر صلاح الدين الأيوبي حبس أولاد العاضد، آخر الخلفاء الفاطميين، تحول دار الوزارة هذا إلى سجن، ثم أنشأ الحاكم بأمر الله بالقرب من هذا المقر أو السجن دار الحكمة، ملأها بعدد كبير من الكتب من خزائن القصور والمساجد، وأصبحت دار الحكمة مقصدًا للأطباء والفقهاء والعلماء.
حارة خميس عدس
ومن أشهر حارات الحي القديمة، حارة “خميس عدس”، ويتواجد فيها مبنى مهم هو دار كسوة الكعبة التي تأسست عام 1233هـ، وقد ظلت تعمل حتى عام 1962م. وما زالت هذه الدار موجودة حتى الآن، حتى بعد توقف مصر عن إرسال الكسوة، وأمام الدار نجد مشغل كسوة الكعبة الشريفة. وقبله كانت تتواجد ورش المخارط الحديدية والقواديم والمناشير، والتي أنشأها محمد على باشا.
كسوة الكعبة
فقد شهد شارع الخرنفش خروج كسوة الكعبة المسماة بـ”المحمل” في احتفال رسمي بهيج؛ من أمام مسجد القاضي عبد الباسط، وكان قاضى قضاة مصر ووزير الخزانة العامة والمشرف على صناعة الكسوة الشريفة التي كانت آياتها القرآنية تحاك بماء الذهب والفضة.
والجدير بالذكر، هناك العديد من الحارات الشهيرة الموجودة بشارع الخرنفش، ومنها حارة الأمراء التي كان السكن فيها محرم إلا على الإشراف من أقارب الخليفة أيام الفاطمية، ولما زالت ملكهم ودولتهم سكن هذه الحارة أخو صلاح الدين شمس الدولة توران شاه، ولا يزال هذا الاسم باقيا حتى الآن.