تاريخ ومزارات

“بئر عنبر” قرية صاحبة مواقف وطنية مجيدة .. وهذا سبب تسميتها بهذا الاسم

 

عند نقطة  إلتقاء خضرة الزرع مع صفرة الصحاري تقع بئر عنبر، فحين تقف على الأسفلت العمومي للقرية تكون في مفترق طرق، فإذا اتجهت إلى الجنوب واصلت إلى الأقصر، وإن توجهت ناحية الشمال تقدمت إلى مدينة قنا، أما إذا توجهت إلى الشرق وسلكت طريق الجبل وصلت إلى القصير، ومن ناحية الغرب فأمامك المساحات المزروعة ومن خلفها نهر النيل، حيث تفوح رائحة التاريخ من كل أنحاء القرية، ففي أول القرية ضريحي الشيخ عمر والشيخ علي، وقد بنيا على طراز القباب القديم، وبجوار منزل العمدة لوحة تسجل لمعركة القرية مع الفرنسيين، وإذا نظرت إلى الجبل شاهدت بقايا استراحات الحجيج والتي يتناثر حولها قبور القرية وبعض المقامات لأولياء يعتقد أنهم كانوا حجيجا من بلاد المغرب وتوفوا في تلك البقعة، فيما تتبع القرية الوحدة المحلية لقرية القلعة التابعة لمركز قفط، وتقع القرية في أقصى الشمال الشرقي للقرية وفي أقرب نقطة إلى ميناء القصير، وبحسب متخصصون كانت قرية بئر عنبر من أهم محطات الحجيج في مصر قبل الفتح الإسلامي لمصر، قبل أن تهمل وتستبدل بطريق “قوص- عيذاب” بعد الفتح الإسلامي لمصر.

قال العم  سمعان رزف، 70 سنة، تاجر،  ما أخبره به جده أيام الطريق الحجازية ومرور قوافل الحجيج عبر قرية بئر عنبر، لافتا إلى أن القرية كانت تتجمل وتتزين لاستقبال الحجاج، ويضيف أن المواكب الرفاعية والأعلام كانت تخرج إلى أول دروب الحج عند استراحة بئر عنبر وسط تهليل وتصفيق الأطفال وزغاريد النساء.

ونوه  رزق، أن موسم الحج كان بمثابة موسم تجاري شعبي لكل أهالي القرية، ملمحا إلى أن بعض العائلات امتهنت مهنة الجمال وكانت تقوم بتأجير الجمال للحجاج الآتين عبر النيل بالمراكب ومنهم عائلة اشتهرت باسم عائلة (أبو طربوش) لأن جدهم الأكبر اخترع طريقة تسمح له بن ينام فوق الجمل دون أن يشعر الجمل بذلك فيتوقف عن المسير، وذلك عن طريق أن يضع طربوشه فوق سنام الجمل فإذا ما نظر الجمل من خلفه رأى الطربوش منتصبا فيعتقد أن صاحبه مستيقظ فيستمر في المسير.

قرية تاريخية

ووصف الدكتور عبدالناصر خليل، أستاذ أصول التربية بجامعة جنوب الوادي وابن قرية بئر عنبر، القرية بأنها قرية تاريخية استمدت شهرتها من ارتباطها بأقدم طريق قوافل برية في التاريخ والذي يرجع إلى العصر الفرعوني – على حد وصفه-، ويلمح خليل أن القرية سميت بهذا الاسم نسبة إلى البئر القديمة التي حفرها إبراهيم باشا والحق بها محطة استراحة للحجاج، ومن الروايات الشعبية حول سبب التسمية أن العبد الذي كلف بحفر البئر كان يسمى عنبر، بينما تقول الرواية الأخرى أن الشخص الذي أوكل إليه الإشراف على البئر وسقاية القوافل كان اسمه عنبر.

تكافل اجتماعي

وأشار خليل، إلى أن وقوع بئر عنبر على طريق الحج والذي استمر إلى بدايات القرن التاسع عشر قبل أن يستبدل بطرق السويس، كان له أثره على مجتمع القرية، إذ رسخ مبادئ التكافل الاجتماعي في صورة استقبال الحجاج في المنازل والترحيب بهم وتقديم الأطعمة والمشروبات لهم قبل أن يواصلوا مسيرهم عبر الصحراء إلى ميناء القصير ومنه إلى جده.

وأكد أستاذ أصول التربية، أن الحالة الروحانية المستمدة من قدسية الرحلة وهى رحلة الحج والشوق إلى الأراضي الحجازية والممزوجة بمروءة الأهالي، كأنها كانت تخالط ماء البئر الذي يسقى منه الحجاج فيصير طعمه مثل العنبر، ويورد أن بئر عنبر كان لها دورا في معركة إيتاي البارود، فقد استعد الأهالي بالشوم والعصيان والفؤوس لمواجهة الفرنسيين وصدهم، وذكرت بعض المصادر أن معركة دارت في بئر عنبر وقتل فيها الكثير من الفرنسيين.

القرنة

وفي سياق متصل قال جمال بعرة، عمدة القرية، إن القرية كانت تسمى قديما القرنة، نسبة إلى مقام العارف بالله عمر القرني وهو صاحب المقام وهو تابعي يقال أنه حضر مع عمرو بن العاص، لافتا إلى أن أهالي بئر عنبر كان يشار إليهم بالعركيون وهم قبيلة منتشرة في قفط وفرشوط.

ونوه عمدة القرية، أن القرية تقع في الطرف الشمالي الشرقي لمركز قفط لتكون في مفترق طرق بين ثلاث محافظات، قنا شمالا والأقصر جنوبا والبحر الأحمر شرقا، موردا أن تعداد سكان القرية 10 آلاف نسمة، وهي تابعة للوحدة المحلي لقرية القلعة، ويحدها من الجنوب قرية القلعة ومن الشمال قرية كرم عمران التابعة لقنا ومن الغرب الزمام الزراعي للقرية ومن ناحية الشرق سلاسل جبلية.

وأشار العمدة أن القرية تتميز بطبيعة متفردة من حيث التنوع البيئي بين المساحة المنزرعة في غرب البلد وبين المساحة الصحراوية التي تمتد عبر الطريق الشرقي والذي يوجد به المقابر القديمة للقرية والتي تتميز بوجود أضرحة لمشايخ وأولياء بعضهم حضر من المغرب في رحلات الحجيج مثل الشيخ عمر القاسمي العزازي، لافتا إلى أن الزراعة تعد النشاط الاقتصادي الأساسي للقرية بجانب اشتهار القرية بمهنة النجارة.

معركة بئر عنبر

أار نور القفطي، باحث في التاريخ، إلى أن بعض كتب التاريخ تحدثت عن معركة بئر عنبر ضد الفرنسيين والتي أسفرت عن مقتل الكولونيل الفرنسي دويلبسي، لافتا إلى أن المعركة كانت في مارس من عام 1799 وبعد أن وجه الجنرال ديزييه جنوده ناحية بئر عنبر لقطع الطريق على قوات الأهالي المتجهة ناحية القصير، فوجه حملة قوامها 1500 رجل إلى بئر عنبر ودارت معركة عنيفة ذاق فيها الفرنسيين هزيمة كبرى.

سُرة الوادي

يستعير أستاذ الجغرافيا وابن مدينة قفط الدكتور إبراهيم دسوقي تعبير العالم الجغرافي الراحل جمال حمدان حين وصف ثنية قنا بأنها “سرة الوادي”، موضحا أن أقرب نقطة في مصر بين ساحل النيل وساحل البحر الأحمر في قنا، مشيرا إلى أن قفط تقع جنوب الثنية، بينما تقع بئر عنبر في أقصى الشمال الشرقي لقفط في أقرب نقطة إلى ميناء القصير.

ويلمح أستاذ الجغرافيا أن طريق قفط القصير الحمامات بدأت أهميته منذ عصور ما قبل التاريخ (قبل 3200 ق.م) كطريق تجاري هام في حركة القوافل من إفريقيا وآسيا، وفي العصر اليوناني الروماني زادت أهمية الطريق بعد أن تم تدعيمه بعدد من الآبار والاستراحات لتكون بمثابة محطات لتلك القوافل.

طريق العنبر

نوه  دسوقي أن يكون سبب تسمية بئر عنبر بذلك الاسم هو أحد أهم السلع التي كانت تحملها قوافل التجارة خام العنبر، والذي كان يجلب من أفريقيا لأهميته الكبيرة في الأغراض الطبية والعلاجية، موضحا أن المنطقة استخدمت كطريق للحجاج في العصر الحديث أي بعد الحملة الفرنسية، مشيرًا إلى أن الطريق القديم كان يبدأ من قفط إلى القصير، ثم إلى جده أو من قوص إلى عيذاب ومنها إلى جدة، أما الطريق الذي استحدثه الفرنسيون فهو طريق بئر عنبر وكان يبدأ من قنا ويعبر شرقي قنا ويمر عبر بئر عنبر ومنها إلى محطة اللقيطة – وهي من المحطات الرومانية القديمة- ثم يلتحق بطريق القصير، وطريق بئر عنبر كان له دوره في إحياء ميناء القصير.

صاو

أضاف أستاذ الجغرافيا، إن ميناء القصير من أهم الموانئ التاريخية في مصر بالرغم من أنه حديثا لا يضاهي ميناء سفاجا الحديث بالنسبة للقصير، مشيرا إلى أن القصير اتخذ اهميتة كأقرب ميناء من البحر الأحمر منذ عصور ما قبل الأسرات، وكان يسمى قديما (صاو) والتي تقع شمالي القصير الحالية بحوالي 10 كم، ولعب دورا مهما في التجارة المصرية القديمة، ويتابع في العصر البطلمي الروماني (332 ق.م – 641 ميلادي) تحول الاسم الى ميناء (نيكسليمان) أو الميناء الأبيض.

القصير

تابع دسوقي، أنه في العصور العربية تحول الاسم إلى القصير نسبة إلى تقصيره مسافة السفر عبر البحر الأحمر، لافتا إلى أن ميناء القصير لعب دورا مهما في ثلاثينيات القرن الماضي والذي تزامن مع اكتشاف الفوسفات في مناطق البحر الأحمر فأدى ذلك إلى إعادة إحياء ميناء القصير.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى