سيناء – محمود الشوربجي
يسيل وادي العريش كل عام في زمن الشتاء في الأيام التي يتساقط فيها الأمطار بشكل غزير ولكن قد يكون السيل بسيط حيث ينتهي في وسط مجرى الوادي قبل وصوله إلى نهاية مصبه في مدينة العريش عند البحر المتوسط . ولكن هناك سيول غزيرة جداً والتي وصل فيها السيل إلى البحر وفي غالب الأحيان كانت سيول كارثية دمَّرت أمامها من حدائق وبنايات وغيرها .
“سدّ الروافعة”
وهو سد عال ضخم على شكل قوس مبني من الحجارة الغشيمة الصلبة فى منطقة الروافعة على مجرى حوض وادي العريش التى تبعد بمسافة 8 كم شمال مضيق صغير يدعى “ضيقة جبل الحلال“ والتابعة إدارياً مدينة الحسنة بوسط سيناء ويبعد عن مدينة العريش بنحو 50 كم ، قامت بإنشائه وكالة رى الصحارى بوزارة الاشغال العامة والموراد المائية في عام 1946 م ، قيل سُمي بهذا الاسم على أشهر عدّ مياه قديم في هذه المنطقة كان يُعرف بـ “عدّ الروافعة” .
ويصل إجمالي ارتفاع السد إلى 20 متراً منقسمة إلى ارتفاعه فوق قاع الوادي إلى 12 متراً وارتفاع أساسه ثمانية أمتار ، ويصل منسوب قاع حوض التخزين في الجهة التي أمام السد إلى 18 متر فوق سطح الأرض ، ويبلغ منسوب عتب السد إلى 130 متراً وعرض الوادي عند منسوب عتب السد 70 متراً .
هذا وبلغت تكلفة “سد الروافعة” نحو 30.0000 جنيه مصري ، وأما عن سعة التخزين فقد بلغت 3 مليون متر مكعب من المياه الجارية على السطح وبه فتحات مقاس (1×1) متر أسفلها منسوب 30 متر فوق سطح البحر ، قاموا بتركيب عليها بوابات بأوناش متينة جداً و يمكن التحكم فى غلقها أو فتحها عند اللزوم ، ولما سألت أحد العاملين هناك عن الغرض من هذه البوابات والفتحات قال أنههم يستخدمونها لكسح الطمي و الرواسب التي تتجمع أمام السد في وقت سيل الوادي وكذلك تستعمل للتهوية للمياه المحجوزة أمام السد .
هذا ولعل حوض وادي العريش هو أكبر وأوسع أودية شبه جزيرة سيناء كلها وهو يمثل أكبر كمية لسقوط الأمطار فضلاً عن الأودية الفرعية الرئيسية والمتفرعة منها أيضاً والتي تصب فيه عن يمينه ويساره كما مر ، وفي العصور التي قبل القرن التاسع عشر كانت مياه الوادي تذهب هدراً في المناطق المحيطة بحوضه أو في البحر إذا ما كان السيل غزيراً جداً ، وجاءت أهمية بناء السد في حجز أكبر قدر من المياه فيه للاستفادة منها للمساحات الزراعية القريبة والمحيطة بجانبي الوادي وكذلك السد .
والجدير بالذكر أيضاً أن أول من فكر في إنشاء سد منيع في حوض وادي العريش هم الأتراك العثمانيين أثناء احتلالهم مصر في الحرب العالمية الأولى وحاول أيضاً الاحتلال البريطاني في بناء جسور حديدية كسد منيع للوادي ولكن باتت محاولاتهم بالفشل، وبحسب المصادر القديمة فإن السدود التي صنعوها القدماء كانت عبارة عن حواجز إما بالرمال أو بالصخور وكلها للتقليل من سرعة تدفق المياه الناتجة عن السيل وكثيراً ما تنهار في أول سيل يجتاح البلاد .
أهمية بناء السد
وجاءت أهمية بناء السد في رصد كميات الأمطار والسيول والاستفادة منها ، حيث يتم رصد السيل القادم لسد الروافعة في الدقائق الأولى من بدء وصوله وبعد علو منسوب المياه في المنحنى المعروف بالسعة ومناسيب المياه ومنها تتمكن إدارة الموارد المائية من تقدير كمية أي سيل يصل إلى سد الروافعة تقديراً دقيقاً ، وفي العصور التي قبل بناء السد لم يكن هناك أساليب متاحة لتقدير كميات السيول التي اجتاحت حوض وادي العريش .
وقام معهد تنمية الموارد المائية التابع لوزارة الري في عام 1986م بعمل تصميم ودراسة فعلية لتعلية السد ورفع منسوب عتب السد إلى 132 متر فوق سطح البحر بارتفاع مترين عن منسوبه الذي تم انشاؤه في عام 1946 م وجاء ذلك لزيادة سعة حوض الخزان بمقدار 3.8 مليون متر مكعب ، وقال أحد الموظفين المسئولين أن الزيادة في سعة قاع الخزان عند منسوب 118 متر وبعد التعلية تجعل الإجمالي يصل إلى 6.8 مليون متر مكعب وهذه السعة تكفي لري نحو 400 فدان خلف السد لمسافة تقدر بـ 3 كم شمال السد عن طريق مواسير لتغذية المناطق المقترحة للزراعة ، وفي زيارة سريعة لي في عام 2010م بعد السيل الجارف الذي اجتاح المنطقة في شهر يناير 2010 والذي خلف من ورائه أضرار بالغة في المناطق المجاورة لوادي العريش لاحظت امتلاء لمنسوب المياه خلف سد الروافعة وأوضح لي بعض المزارعين في هذه المنطقة أن تراكم الطمي والرواسب أمام السد يؤدي إلى انخفاض في السعة التخزينية المائية للسد مطالباً الأجهزة المختصة بضرورة إزالة الطمي والرواسب حتى يتم توفير سعة تخزينية مائية كبيرة .
هذا ويحجز سد الروافعة من ورائه كميات كبيرة جداً من المياه والتي تتعد الـ 8 مليون متر مكعب ، ولعل بعضهم يستغلها في الزراعة عن طريق استخدام مواتير سحب المياه في جلب المياه إلى أراضيهم . ومنهم من يصنع هرابات المياه عند السد للاحتفاظ بالمياه حتى زمن الصيف ، ومنهم من يقوم بتوصيل مواسير لنقل المياه والطمي أيضاً لمزارعهم القريبة مما يزيد من خصوبة الأرض أيضاً .
و طُرحت دراسة علمية في وقت سابق أعدها المهندس الزراعي : محمود محمد علي الحجاوي ، توضح الاستفادة والاستغلال الأمثل للمياه الموجودة خلف السد والتي حفزت الأهالي بضرورة استخدام هذه المياه في الأعمال الزراعية مثل مزارع الزيتون والفاكهة وغيرها وكذلك الزراعات الموسمية ، وقدَّم مقترحات لعمل شبكات للري وذلك لتوزيع المياه على الأراضي الغير صالحة للزراعة أو الفقيرة من المياه أو الأراضي التي تحتاج إلى مياه ، وكذلك عمل سدود على أبعاد مختلفة من سد الروافعة بحيث يكون كل سد أقل من الذي قبله في الارتفاع وذلك لعدم إهدار أي نقطة مياه .