“أبو البركات” شيخ الأزهر الثائر الذي حرق الفرنسيون قريته بعد 13 عامًا من وفاته
نهار يوم 18 أبريل 2016 يوشك على الانتهاء، الوقت تجاوز الخامسة مساءً بقليل، الشوارع الرئيسية المتفرّعة من ميدان التحرير في مدينة القاهرة تبدو شبه خالية، رجال في بدل رسمية ينتشرون على أرصفة الشوارع، يغلقون حركة السير في وجه السيّارات، ويدسّونها في الشوارع الجانبية، ويأمرون المارّة، بالتزام السير أعلى الأرصفة، كان موكب الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند يعبر ميدان التحرير قاصدًا قصر عابدين، لتلبية دعوة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لحضور حفل فني، في ثان أيّام زيارته لمصر التي بدأها قبل يوم واحد.
مصادفة غريبة
في صبيحة اليوم نفسه 18 أبريل 2016، وعلى بعد ما يقرب من 350 كيلومترًا جنوب القاهرة، كان موكبًا آخر يشقّ شوارع مدينة منفلوط بمحافظة أسيوط، حيث يتوجّب على محافظ أسيوط وضع إكليل من الزهور عند النصب التذكاري لشهداء قرية بني عدي الذين قاوموا جنود الحملة الفرنسية قبل 217 عامًا من الآن، بالتحديد 18 أبريل 1799، الذي تتخذ منه أسيوط عيدًا قوميًا لها تخليدًا لذكرى شهداء ثورة أخمدها الفرنسيون بالنيران التي محت قرية أبت الاستسلام لجنود بونابرت.
5 كيلومترات تفصل بين قصر عابدين، وضريح “أبو البركات” الشيخ أحمد الدردير، الذي يقع ضريحه داخل مسجد يحمل اسمه، في زقاق صغير يفصله عن الجامع الأزهر أمتار قليلة،
الشيخ الصوفي الذي يرقد في ضريحه المتواضع الآن، وُلد في قرية بني عدي في العام 1715 ميلاديًا، قاد تمردًا كبيرًا ضد أمراء المماليك في العام 1786 ميلاديًا، أي قبل 3 سنوات من قيام الثورة الفرنسية.
القاهرة قبل أكثر من مائتي عام
العام 1786 ميلاديًا، مصر إحدى ولايات الدولة العثمانية (1299 – 1923) ميلاديًا، القاهرة تحت سطوة ميلشيات بقايا أمراء المماليك، الذين تحوّلوا من حكّام مصر الرئيسيين إلى مجموعة من الميلشيات العسكرية، تنهب أهالي مصر وتفرض عليهم الإتاوات، وتقدّمها للحاكم العثماني الذي يرسلها بدوره للسلطان في الأستانة (اسطنبول حاليًا).
الشيخ يعلن التمرد
ضجّة عظيمة يشهدها محيط الجامع الأزهر، صياح وجلبة وطبول تُقرع، تبحث كتلة البشر الغاضبة تلك عن شيخ المالكيّة وشيخ رواق الصعايدة الشيخ أحمد الدردير، لينجدها من حسين بك الشهير بشفت، أي اليهودي، لأنه قصد حي الحسينية ونهب الأموال وزينة النساء من الذهب، بمعونة جنوده ظلمًا.
فما كان من الشيخ الذي تجاوز عمره السبعين عامًا إلّا أن قال للجموع الكبيرة التي جاءته مستغيثة: “أنا معكم في غد نجمع أهالي الأطراف والحارات، وبولاق، ومصر القديمة، وأركب معكم وننهب بيوتهم كما ينهبون بيوتنا، ونموت شهداء أو ينصرنا الله عليهم”.
كانت الشوارع المحيطة بالجامع الأزهر تغلي بالغضب، فأغلق المصريون محالهم، وارتقوا المآذن ينادون على بعضهم البعض، فلمّا عرف أمراء المماليك بما يحدث، دبّ الخوف في قلوبهم، فاجتمعوا في الغوريّة قرب الجامع الأزهر، ثم ذهبوا للشيخ أحمد الدردير يطالبونه بتهدئة الناس، وأن يكتب لهم قائمة بما نهبه الجنود حتى يُعيدوه لأصحابه.
لم تكن هذه الواقعة الأولى ولا الأخيرة في قائمة أحداث كان الشيخ الأزهري الصوفي بطلًا لها، يقصده المظلومون ليرفع عنهم الظلم، ففي العام نفسه لواقعة نهب منطقة الحسينية، كان الشيخ يحضر مولد البدوي في طنطا، فاستغاث به الناس بعد أن فرض حاكم محافظة الغربية ضرائب جزافية على من حضر احتفالات المولد، فقصد الشيخ خيمة الحاكم وتبعه جماعة كبيرة من العامة، ووبّخه وقال له “أنتم ما تخافوا من الله”.
الجبرتي يشارك في بناء مسجده
ويذكر الجبرتي في كتابه “عجائب الآثار”، قصة بناء الضريح الذي ما يزال موجودًا حتى الوقت الحالي، ويقول إن سلطان المغرب.
ولاي محمد بن عبدالله، كان من عادته إرسال مبالغ ماليّة لكبار شيوخ الأزهر لإعانتهم على التفرّغ لتدريس الشريعة، وفي سنة 1784 ميلاديًا، نفد مال أحد أبنائه أثناء رحلة عودته من الحج، وعلق في القاهرة.
فلمّا عرف الشيخ الدردير بما حدث له، تنازل عن حصّته له، وبعد أن عاد الابن لأبيه وأخبره بما فعله الشيخ، أرسل له ملك المغرب في العام التالي عشر أضعاف حصّته، فحج الدردير وبعد عودته من الحج بنى بما تبقى من المال زاوية على بعد أمتار قليلة من الجامع الأزهر.
يقول الجبرتي: “عندما أسسها أرسل لي وطلب مني أن أحرر له حائط المحراب، على القبلة فكان ذلك”.