متحف النسيج المصري.. حواديت على قطع من القماش
أسماء صبحي
وراء كل قطعة حكاية أو عصر من العصور التي عاشها المصريين يسجلها متحف النسيج المصري. ولكل عصر مرت به مصر شكل في الملابس والأغطية، فقد كانت مصر أرض للعالم أجمع. هناك من جاءها زائراً لكثرة ما سمع عنها، وهناك من آتى إليها تاجراً لوفرة ولجودة ولكثرة خيراتها وتنوعها. وآخر أتى إليها لينهل من علوم ومعارف أهلها على مر العصر. وأخيراً جاءها غازياً طامعاً في خيراتها وموقعها الاستراتيجي منذ أقدم العصور.
موقع متحف النسيج المصري
يقع في “شارع المعز” وتحديداً قرب حي بين القصرين، بسبيل محمد علي. ويعتبر متحف النسيج الأول من نوعه في الشرق الأوسط، وترتيبه الرابع عالمياً.
مقتنيات متحف النسيج المصري
وتقول علياء داود، إن المتحف يضم مجموعة من المقتنيات الفريدة والنادرة. تم جمعها من أماكن مختلفة وعصور متنوعة عن طريق الاكتشافات الأثرية. وكانت موزعة بين عدد من المتاحف، ولم يكن هناك مكان به مقتنيات كل تلك العصور قبل ذلك.
وأضافت أنه مع البدء في تطوير وتحديث وترميم شارع المعز استقر الرأي على “سبيل محمد علي”. ليحمل تلك الرسائل التاريخية، وكل ما يتعلق بصناعة النسيج ابتداءً من العصر الفرعوني مروراً بكافة العصور التاريخية حتى ننتهي بعصر الدولة الحديثة متمثلة في دولة محمد علي. ويضم المتحف ما يقرب من 250 قطعة نسيج و15 سجادة.
طريقة العرض
وتابعت داود، إن المتحف يتكون من طابقين بهم إحدى عشر قاعه. ومدون على حائط كل قاعة معلومات عن فترة المنسوجات التي بداخلها من حيث استخدامها الأصلي، وتاريخ صنعها، ومكانها الأصلي. بالإضافة الى ذلك يوجد ديوراما صناعة النسيج، والديوراما هي طريقة حديثة للعرض المتحفي. وهي عبارة عن أنوال وخيوط مصبوغة لبيان كيفية الغزل والنسيج.
وأسارت إلى أن المتحف يضم شاشات (Touch Screen) لمساعدة الزائر على إضافة أي معلومة عن أي قطعة من المتحف وشرحها باللغتين العربية والإنجليزية. ويتم عرض جولة بانورامية بالمتحف عن صناعة النسيج وطرقه وصباغته. والأماكن المشهورة بصناعة الغزل والنسيج، مع عرض أفلام عن المتحف قبل وبعد التطوير.
العصر الفرعوني
اشتهرت مصر منذ أقدم عصورها بصناعة المنسوجات الكتانية، نظراً لرقتها ونعومتها التي تقارب نعومة الحرير. فكانت المنسوجات والملابس ضمن الهدايا المتبادلة بين فراعنة مصر وملوك العالم القديم. وبرع القدماء في غزل ونسج وصباغة ألياف الكتان منذ عصورهم المبكرة. بالإضافة إلى تمكنهم من تطريز منسوجاتهم، وبخاصة الملكية منها.
وكانت الملابس والمنسوجات لها مكانه خاصة في حياة المصريون القدماء وبعد مماتهم. وقد وضح هذا في حياتهم اليومية وفي أداء طقوسهم وشعائرهم. فالكهنة كانوا مميزون بزي معين وهم يؤدون الطقوس. كما أن الملك كان يرتدي أغلى وأفخم أنواع المنسوجات، وقد لعبت المنسوجات دوراً مؤثراً في المعاملات الاقتصادية. وفيما يخص أماكن صناعة تلك المنسوجات فكانت تصنع في المعابد والقصور الملكية، والمنازل.
ويعتبر القسم الفرعوني هو أكبر قسم حيث يضم تماثيل خشبية تم تلبيسها أنسجة قديمة. كما تم تجهيز عدداً من اللوحات التي توضح ملامح صناعة النسيج والطرق التي كان ينظف بها المصري القديم ملابسه. بالإضافة إلى واجهة زجاجية تحتوي على عدد من غيارات الأطفال الفرعونية مصنوعة من الكتان على شكل مثلث. وقطعة مستطيلة من القماش ربما استخدمت كبطانة للحفاضة، وبجوارها الحقيبة التي كانت تحتفظ فيها الأمهات بالغيارات.
العصر اليوناني والروماني
تعرض قاعة العصر اليوناني تماثيل وعينات من منسوجات قبطية مصرية تمثل القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد. وفيما يتعلق بقاعات العصر الروماني فهي توضح مصانع النسيج الملكية بمدينة الإسكندرية آنذاك. حيث كانت النساء يقمن بالنسج والتطريز لإنتاج ما يحتاج إليه البلاط الملكي من أقمشة.
العصر القبطي
انفرد العصر القبطي بنوع معين من النسيج عرف بـ “نسيج القباطي”. وقد اختلف العلماء حول معنى كلمة “القباطي” فمنهم من يرجح أن القَباطي أو القباطي جمع قبطيِّة وهي القطعة المنسوجة. بينما يعتقد فريق أخر من العلماء أن الكلمة اشتُقت من (جبت) التي جاءت منها كلمة Egypt. وظهرت لمسات الفنان القبطي في نسج الأقمشة بزخارف وأشرطة ونقوش هندسية ونباتية ورموز أسطورية ودينية وأشكال للطيور والحيوانات في أزياء النبلاء والعامة.
وقد كان نسيج “القباطي” خامة لها قيمة كبيرة عند المصريين مسيحيين ومسلمين. وروى المقريزي “أن المقوقس حاكم مصر، أهدى النبي محمداً صل الله عليه وسلم عشرين ثوباً منها. كما كسيت الكعبة بها قبل الإسلام”.
العصر الإسلامي
تتميز قاعة العصر الإسلامي بتنوع قطع الأنسجة التي كتبت بالخط الكوفي وتحتوي على بعض الآيات القرآنية. كما تميزت هذه القاعة بوجود تماثيل من الشمع لتوضح صوراً من مراحل إعداد النسيج. وقد خصص لصناعة المنسوجات في هذا العصر الإسلامي دار عرفت باسم “دار الطراز”. وكان يصنع فيها أنسجه خاصة للخلفاء وحكام الأمصار، بالإضافة الى أقمشة عادية لعامة الناس ولكنها كانت ذات جودة عالية.
مقتنيات الأقاليم
تلك المقتنيات الخاصة بمناطق معينة مثل الفيوم والبهنسا. والتي كانت من أشهر المناطق لصناعة النسيج في مصر في العهد الطولوني والأموي.
كسوة الكعبة
تضم هذه القاعة جزء من كسوة الكعبة التي تم صنعها في دار الكسوة بالخرنفش، والتي تعد درة تاج المتحف. كما تضم القاعة أيضا “ستارة باب التوبة”، التي صنعت في عهد الملك فاروق الأول، وهي عبارة عن قطعة مستطيلة الشكل. عليها زخارف نباتية وآيات قرآنية وكتابات مطرزة بخيوط معدنية فضية بأسلوب “السيرما” نصها “بسم الله الرحمن الرحيم أمر بتجديد هذه الستائر الشريفة صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر ابن فؤاد الأول ابن إسماعيل باشا ابن الحاج إبراهيم باشا 1359”.
النسيج المستورد
يحتوي هذا القسم على العديد من قطع النسيج المستوردة من دول العالم مثل إيران “الطراز الإيراني الصفوي”، والعراق واليمن. كما يضم المتحف أيضاً عينات للنسيج عبر العصور:
- الكتان: استخدم ابتداءً من العصر الفرعوني، ويعتبر أكثر أنواع النسيج انتشاراً حيث كان الفراعنة يمجدوه لأنهم كانوا يعتبروه من نباتات الجنة.
- القطن: استخدم ايضاً ابتداءً من العصر الفرعوني، حيث وجد ضمن هدايا مقدمة للفرعون أحمس الثاني.
- الحرير: أول من عرف الحرير هم الصينيون، ثم انتقل عن طريق بلاد فارس بعد زواج أميرة صينية من أمير فارسي.
- الصوف: المتاح في المتحف يرجع الى العصور الإسلامية.
- الديباج: وهو يجمع بين الصناعة ونوع من أنواع النسيج، وكان منتشر بكثرة في بلاد الشام.