قصة «الفستان الأحمر» وعلاقته بفن سيناء والتطريز
يعبر الفستان الذي شاركت في صنعه نساء من ثقافات وبلدان مختلفة عن التاريخ الثقافي لكل بلد. ورغم تشابه المواد المختلفة إلا أن كل قطعة كانت وسيلة للتعبير عن وضع النساء في بلدها، إحداهن مهمشة، أو لاجئة، أو تعاني حرفتها من الاندثار، أو عملها مميز وتبحث عن طريقة لصونه. ما قصة الفستان؟.
نصرة النساء بالحياكة!
“الفستان الأحمر”، مشروع ثقافي لفنانة النسيج البريطانية “كريستي ماكلويد”. استطاعت من خلاله، وعلى مدار أعوام كثيرة، أن توثق بصمات النساء من البلاد المختلفة. وخلق عمل يعبر عن تقارب الشعوب والثقافات المختلفة، وتحويل حلمها إلى رمز يعبر عن قصص النساء وفنونهن.
وقد بدأت في تنفيذ الفكرة منذ 13 عاما، حيث بدأ التخطيط لحلم الفستان الأحمر كمشروع مبدأي للتطريز على منديل. لكن تبلورت الفكرة في عام 2009 وتطورت لتصبح مشروعا عالميا”.
عن اختيارها اللون الأحمر، ترى أنه لون الشعور بالحب والقوة والغضب أيضا والدم. وتقول: “أرى أن كل هذا جزءا من تجربتنا الإنسانية لا يوجد ما هو أفضل من اللون الأحمر للتعبير عن الصوت الأنثوي”.
28 دولة
جاب قماش الفستان الأحمر 28 دولة. حيث يحمل تطريز وفنون لـ244 فكرة مختلفة. تمت إضافتها بشكل منفصل دون تنسيق أو توجيه لأصحابها.
وعلى مدار 12 عاما، مر هذا العمل الفني بين أصابع ماهرة من سيدات سيناء واللاجئين الفلسطينيين، ضحايا الحرب في كوسوفو ورواندا والكونغو. والنساء في جنوب إفريقيا والمكسيك وكينيا واليابان وباريس والسويد وبيرو وجمهورية التشيك ودبي وأفغانستان وأستراليا والأرجنتين وسويسرا وكندا. وتوباغو والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وباكستان وويلز وكولومبيا ومرة أخرى في المملكة المتحدة.
ووفقا لموقع “لو أورينت لو جور”، توقف الفستان أيضًا في أماكن التطريز الراقية في الهند والسعودية. وشارك فيه 244 شخص من بينهم 239 امرأة و5 رجال، حصل 139 منهم على أجر.
في مصر
وقد قدمت صاحبة المشروع ثلاثة عروض بالفستان في مصر خلال شهر سبتمبر الماضي، خلال الفترة من 17 إلى 27 سبتمبر. لمعرض سانت كاترين في سيناء، وزيارة جمعية “فن سيناء”. وعرض آخر في معهد القاهرة للفنون والعلوم الليبرالية، والسفارة البريطانية بالقاهرة.
وكانت العروض التي أقيمت في مصر ضمن سلسلة عروض تم تحديدها مسبقا، منذ عام 2009، وشملت عروض في دبي، لندن، إيطاليا، باريس، المكسيك، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، وجنوب إفريقيا.
الهويات المفقودة
وتقول كيرستي: “في عام 2009 بدأت في مشروعي كتحقيق عن الهوية المفقودة. أردت أن أتواصل مع الكثير من النساء حول العالم بلا حدود. ومع مرور السنوات أصبح الفستان وسيلة للتعبير ومنصة لسماع أصوات مختلفة للنساء حول العالم بين أفراد قد لا يلتقون أبدا”.
ترى كريستي أن رسالتها تبلورت أهميتها مع العودة للحياة الطبيعية بعد تفشي وباء كوفيد-19. وتستكمل: “تبدو رسالة الملابس أكثر أهمية. ما يمكننا تحقيقه من خلال العمل معًا في المجتمع والتعاون هو أكثر تأثيرًا بكثير من محاولة العمل بمفردنا، نعمل الآن لإزالة العديد من الحدود”.
فنون النسيج
نشأتها متنقلة في أكثر من دولة جعلها تتشبع بالثقافة واللون واللغة والخبرات المتناقضة. وكما تقول فإن هذا الفستان كان وسيلتها لمحاولة فهم رحلتها. وعندما بدأت في تكوين إحساسها الخاص بالهوية اتجهت للرسم والخياطة.
كانت المنسوجات موجودة دائمًا في كل مراحل حياتها. كانت النساء من عائلة كيرستي جميعهن خياطات، وصانعات مهرة للقماش بأشكاله. كان ذلك ذو تأثير قوي عليها. عندما كانت في التاسعة من عمرها، تعلمت بنفسها الحياكة.
التقطت الإبرة والخيط أثناء إقامتها في لاجوس، نيجيريا، تعلمت التطريز من سيدة هندية حتى حصلت لاحقًا على درجة البكالوريوس في تصميم المنسوجات تليها درجة الماجستير في الفنون المرئية. ثم بدأت حياتها كفنانة تعيش في لندن.
كانت بداية إطلاق العنان لأفكارها في عام 2002. حين كانت كيرستي في زيارة في جنوب الهند وقضت ساعات طويلة في الخياطة والتطريز مع نساء “كارناتاكان” الغجريات وهن يصنعن سترة بسيطة.
وعلى الرغم من عدم قدرتهن على التواصل مع بعضهم البعض بالكلمات. فقد تشاركوا أوقاتهن الطويلة بينما تحكي عنهن الإبرة والخيط، تركوا أيديهن تتحدث بدلا عنهن.
فن سيناء والتطريز بالفطرة
وعن الحدث الأقرب وهو عرض الفستان في مصر. يكشف تفاصيل المشاركة في الفستان، عمر مسلم، مؤسس مشروع “فن سيناء” مع زوجته سليمة الجبالي لتنمية حرف الفنون اليدوية لسيدات سيناء. ويقول إنه في عام 2015 تم التعاون مع الفنانة كريستي، لتزيين جزء من مشروعها “الفستان الأحمر” بفنون سيناء اليدوية.
وأوضح”: “جاءت إلى مصر وزارتنا في سانت كاترين وجلبت معها قطع قماش وطلبت من سليمة أن تعمل نساء سيناء على تطريزها بطريقتهن الخاصة”، إذ شاركت “فن سيناء” بـ 50 سيدة في الفستان الأحمر، وعلى حد وصفه كان النصيب الأكبر والملحوظ في الفستان يرجع إلى الفن البدوي المصري.
تعمل النساء في سيناء على التطريز بالفطرة، الرسم يكون بالإبرة والخيط دون تخطيط مسبق، ولم يتم إتباع اختيار معين لتطريز الفستان، وتقول سليمة الجبالي: “التطريز بالفطرة والوحدات جميعها مستوحاة من الطبيعة المحيطة بهن، وهي وحدات تراثية توارثتها النساء عن جداتهن”.
وعن الوحدات المستخدمة، مثل الطيور والحيوانات والشمس والأشجار والجبال، وكل ما تقع أعينهن عليه يتم تحويله إلى وحدة تطريز. بالإضافة إلى أن الخامات المستخدمة مصرية أيضا وهي خيوط طبيعية بدوية من إنتاج مصري وتُصنع على النول.
تضيف الجبالي أنه برغم وصف الفنانة كريستي لنفسها أنها فنانة نسيج، إلا أن التطريز البدوي لا يمكن تقليده، وتقول: “أعمال نساء سيناء مميزة للغاية ولا يمكن تقليدها وحال تقليدها يتضح الاختلاف بينهما.
نساء مُهمشات
وصفت كريستي مشروعها أن الفستان الأحمر يرمز للنساء اللاجئات والمُهمشات صاحبات الظروف الصعبة، لكن هل تعاني سيدات سيناء من الوضع نفسه؟
قال عمر مسلم: “ليس الهدف من مشاركتنا التعبير عن وضع سيئ تمر به النساء في سيناء، لكنه توثيق لفنوننا الأصيلة والتراثية فقط، وهذه فكرة فن سيناء في الأساس لحفظ هذه الفنون ووصولها إلى الجمهور”.
وأضاف مسلم: “أما فكرة المشروع فهي استطاعت جمع النساء من حول العالم لتنفيذ فكرة واحدة أما الهدف من الفكرة فهي قناعتها الشخصية، ولا يعبر عنها فن سيناء، والهدف الأساسي من مشاركتنا أن نوضح أن السيدة البدوية المصرية قادرة على المنافسة في أي مكان في العالم”، وهذا المشروع ليس العمل الدولي الأول لـ”فن سيناء”. إذ تُصدر العديد من الأعمال المطرزة يدويا إلى عدد من دول العالم على رأسها ألمانيا، والفوز بأكثر من جائزة عالمية.