تاريخ ومزارات

القصة الكاملة.. يزيد بن معاوية ومسؤولية مقتل الإمام الحسين

أسماء صبحي 

يلقي بعض المؤرخين بالقسط الأكبر من المسئولية عن قتل الإمام الحسين علي ابن زياد. أما البعض الآخر فيلقي بها على الخليفة يزيد بن معاوية. وحجتهم في ذلك أنه ولي الأمر. ولا يمكن أن يقوم عامله بمثل ذلك العمل الخطير دون إذنه، أو بغير علمه وإرادته.

قيل أن يزيد كان قد كتب إلى ابن زياد بعد مصرع مسلم بن عقيل يطري عمله، ويحذره من قدوم الحسين. ويأمره بوضع الحراسة على الحدود وألا يقاتل إلا من قاتله؛ مما يعني أن خروج الحسين نحو العراق قد بلغه. ولقد كان خروج مسلم بن عقيل -أي إعلانه ثورته- في الثامن من ذي الحجة سنة ستين للهجرة على ما يذكر الطبري في تاريخه. ولا شك أن إرسال ابن زياد إلى الخليفة يخبره ما حدث مع ابن عقيل. ثم رد الخليفة عليه في رسالته السابق ذكرها قد استغرق وقتًا طويلاً طول المسافة بين الكوفة ودمشق في ذلك الزمان. وعندما وصلت تعليمات الخليفة كان الحسين على مشارف العراق ثم نشبت المعركة بين الفريقين بسرعة وانتهت بسرعة.

على ذلك لم تتَح لابن زياد الفرصة لاستشارة الخليفة فيما جَدَّ من أحداث، ولا لأخذ رأيه في المفاوضات التي دارت مع الحسين. ولو كان عند ابن زياد رأي قاطع من الخليفة بشأن ترك الحسين أو قتله لما كان هناك داع إلى التفاوض والمراجعة التي حدثت وتحدَّث عنها الرواة. فيزيد لم يعلم إذًا بعرض الحسين على عامله، والمعروف عن النظام الأموي اعتماده عدم المركزية في الإدارة. وهو ما يعطي للعامل على الولاية فرصة كبيرة في اتخاذ القرار، وتحمُّل مسئوليته. فليس غريبًا إذًَا أن يستعمل ابن زياد هذه الحرية المسموح بها، ليكتسب -فيما يظن- مكانة أسمى عند الخليفة. ولينهي أسباب الجفاء بينهما عندما يخلصه من أخطر منافسيه.

لقد ظل موقف يزيد من بني هاشم غير متسمٍ بالعداء، فقد بايعه محمد بن الحنفية، وكان يتردد عليه ويزوره، وينال صلاته. وعندما خلع أهل المدينة فيما بعد يزيد لم يشترك معهم في ثورتهم ابن الحنفية، ولا علي بن الحسين.

لماذا لم يعزل يزيد ابنَ زياد

لكن إذا كان الأمر كذلك، فلِمَ لم يعزل يزيد عامله على العراق -ابن زياد-. أو يحاسبه على ما جَرَّه عليه من غضب كثير من الناس ومقتهم وسوء ظنهم؟

يبدو أن سبب الإبقاء على ابن زياد أميرًا على العراق بعد ذلك يعود إلى معرفة يزيد بطباع أهل ذلك المِصْر. الذين اشتهر عنهم في التاريخ أنهم إذا حكمهم والٍ قوي انكسروا واستكانوا. وإذا جاءهم والٍ لين تمردوا عليه ومكروا به ودبت فيهم الفتن، وسرت فيهم روح الثورة والمؤامرة. وقد عرِفَ عنهم ذلك منذ أواخر عهد عمر بن الخطاب وحتى عهد معاوية -رضي الله عنهما- وما بعده.

لذلك رأى يزيد أنه لو عزل عنهم ابن زياد في هذه الظروف التي تضطرم فيها النفوس تعاطفًا مع آل البيت. فسوف يفيق أهل الكوفة من هذه الصدمة، ويتحول التعاطف إلى عمل جدي. وينقلب الهمس إلى ثورة عارمة. وإن وقائع التاريخ لتدل على صدق ذلك الحَدْس. ففي أعقاب مقتل الحسين ظهرت بوادر حركة التوابين الذين تحركوا للطلب بدم الحسين. ولكن حركتهم هذه ظلت سرية حتى زال عنهم ابن زياد بعد موت يزيد بن معاوية واضْطَرَبَ الأمر بالشام.

فإذا كان الأمر على ذلك فماذا كان يمكن أن يحدث لو عزِلَ عنهم ابن زياد وجاءهم حاكم ضعيف -أو قوي لم يجربوا بطشه- والنفوس ثائرة. ومدَّعو التشيع متربصون لرفع راية الطلب بدم الحسين، وهم أول من قتله وخذله؟.

كما أنه لم يكد يمضي وقت طويل حتى ظهرت بوادر التمرد في الحجاز. حيث كان ابن الزبير يدعو إلى نفسه سرًا ويؤلب الرأي العام على بني أمية مستغلاً قتل الحسين أشد استغلال. رغم أنه لم يشاركه ثورته حين ثار ولم يبايعه، كما ثار أهل المدينة وخلعوا خلافة يزيد من أعناقهم. فاضطر يزيد إلى مواجهة هذا وذاك، وآثَرَ أن يواجه الأوضاع في الحجاز. وهو مطمئن إلى استقرارها في العراق تحت قبضة واليها القوي، من غير أن يدخل في تجربة والٍ جديد.

مسؤولية قتل الإمام الحسين

على الرغم مما قدمناه من محاولة من أجل إعفاء يزيد من مسئولية قتل الحسين. إلا أننا نقول: إن مسئولية قتل الحسين كانت موزعة بين ثلاثة عناصر: على كل واحد منهم جزء من هذه المسئولية. وهذه العناصر هي شمر بن ذي الجوشن الذي أشار على عبيد الله بن زياد بعدم قبول مطالب الحسين. وعبيد الله بن زياد -والي العراق- الذي استجاب لقول شمر بن ذي الجوشن. أضف إلى ذلك محاولة ابن زياد التقرب والتودُد إلى الخليفة يزيد بن معاوية بتخلصه من منافس شديد ليزيد على الخلافة.

أما الجزء الأخير من المسئولية فيقع على الخليفة يزيد بن معاوية الذي لم تكن أوامره لابن زياد صريحة وواضحة. فكان من الممكن أن يبعث إليه بعدم قتل الحسين صراحة أو سجنه حتى تستقر الأمور. خاصة أن المعركة لم تكن متكافئة، فكان من السهل والميسور القبض عليه وسجنه بدلاً من قتله.

ومهما يكن، فإن موقف يزيد الواضح والمباشر من هذه القضية الخطيرة عدم موافقته. بل حزنه وبكاؤه على مقتل الإمام الحسين على ما ذكر الطبري وغيره. بدليل إكرام وفادة آل الحسين وابنه علي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى