كتب: حاتم عبدالهادي السيد
إذا كان عصر المعلقات هو أزهى عصور الشعر العربي، والمرجع الأول له، فإن هذا العصر لم يشهد حركة نقدية حقيقية، أو حتى ظهر ناقد بالمعنى المتعارف عليه – الآن – بل كانت هناك إشاريات نقدية تميز الغث من الثمين؛ والجميل من القبيح من الشعر؛ لذا وصف الناقد بالصيرفي؛ دون أن تكون هناك أدوات نقدية ومناهج ونظريات قد تشكلت بعد، أو لم يظهر علمٌ للنقد عند العرب بمفهومه الواسع؛ ولقد نُسب الشعر- بداية – الى آدم عليه السلام، أو الى الملائكة، أو الجن، والشيطان، وكثر الحديث عن وادى عبقر، وأن لكل شاعر شيطانه الذى يلهمه القصيدة، كما يقول امرؤ القيس :
تخيرني الجن أشعارها فما شئت من شعرهنّ انتقيت
فالشعر هنا ينتسب الى الجان، لا الشاعر وإبداعه، ولقد ظلت تلك الفكرة سائدة لقرون طويلة فيما بعد عصر المعلقات . وقد نسب للفرزدق (641-732 م) قوله : ان للشعر شيطانان، يدعى احدهما ” الهوبر”، والآخر ” الهوجل”؛ فمن انفرد به الهوبر جاد شعره، وصحَّ كلامه، ومن انفرد به الهوجل فسد شعره، وفى هذا يقول جرير المعاصر للفرزدق :
إني ليلقى علىَّ الشـ عر مكتهل الشياطين
ولعل هذه المقولات حول الشعر العربي بلا أساس نقدى، فهي انطباعات ذوقية مزاجية لتجعلنا نتسائل: هل فعلاً لم تصاحب نهضة الشعر في العصر الجاهلي حركة نقدية مساوقة؟ أم أن النقد ضاع لغياب التدوين، وظل الشعر باقياً لوجود الوزن والقافية؛ حيث الإنسان يحفظ ما هو مموسق أكثر مما هو نثرى .
وهذا السؤال الجوهري – كما أرى – يمكن أن يجلى الكثير عن ( الشفاهية والكتابية) في عصر المعلقات؛ عصر ازدهار الشعر في عصر الكبار الذين أبدعوا فيه المعلقات؛ والمذهبات؛ والمفضليات، والأصمعيات – بعد ذلك – وكانت المعلقات لأهميته اتعلق على أستار الكعبة؛ وتُطلى بماء الذهب ، والسؤال : كيف تعلّق إذا لم تكن مكتوبة، ثم هل عرف الجاهليون الكتابة حقيقة ليكتبوا قصائدهم ويعلقوها؛ ليقرأها العامة على أستار الكعبة المُشَرَّفَة؟! .
لقد كتب الكبار المعلقات السبع، أو العشر، وكانت فرائد عصرية، وأبياتًا شاهقة، وقصائد عصماء؛فقرأنا معلقات: امرؤ القيس، طرفة بن العبد، زهير بن أبى سلمى، لبيد بن ربيعة، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد، الحارث بن حِلِّزَة، بالإضافة الى النابغة الذبياني، الأعشى ” قيس بن ميمون”، عبيد بن الأبرص .