استخدمت في التحنيط.. أسرار صناعة العطور عند الفراعنة
أسماء صبحي
كان لمصر الدور الأكبر في تأسيس صناعة العطور. فقد ذكرت الرسوم التي وجدت على القبور المصرية القديمة أن العطرِ لعب دوراً أساسيًا في حياة المصريين.
عرف المصريون البخور منذ ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد. حيث اقتصر استخدامه على ملوك مصر وامرائها وكهنتها الذين أطلقوه فى المعابد واستخدموه في طقوسهم الدينية.
عندما اعتلت الملكة حتشبسوت عرش مصر، أرسلت البعثات بحثًا عن البخور والسلع الثمينة الأخرى. ليتربع البخور بقوة على عرش الطقوس الدينية في المعابد وفي قصور الحكام والأثرياء.
استخدام المصريين لـ العطور
بعد أن تنازل الكهنة بشكل تدريجي عن حقوقهم الامتيازية. أصبح البخور والمواد العطرية والزيت المعطر متوفرًا لكل المصريين. حيث صدرت الأوامر للمواطنين بتعطير أنفسهم على الأقل مرة كل أسبوع.
أقبل المصريون على الزيوت العطرية، ودهنوا بها جلودهم لأنها كانت تدخل عليهم المتعة. كما كانت تساعدهم في حماية أجسامهم من تّأثير آشعة الشمس الحارقة. كما ابتكروا العديد من الكريمات المعطرة ومرطبات البشرة، وكانوا يشكّلونها في أشكال مخروطِية ويذوبونها لكي يغطوا شعورهم وأجسامهم.
استخدم كبار رجال الدولة العطور المستخلصة من زيت الزيتون وزيت اللوز وزيت الهجليج. أما عامة الشعب فقد صنعوا عطورهم من زيت الخروع.
استخدام العطور في التحنيط
بما أن المصريين كانوا يعتقدون بأنّ الروح تصعد إلى السماء، فقد استعملوا العطور خلال عملية التحنيط. وكانت تأخذ من 40 إِلى 70 يوما لإكمالها، واستعملوا نبات المر المطحون والقرفة الصينية وعطور أخرى في عمليةِ التحنيط.
وضعوا الأواني المطلية بالذهب والجرار المصنوعة من الفخار الناعم والعقيق الأبيض المملوءة بالمواد العطرية في القبورِ. ليحافظوا على جلود موتاهم ناعمة كالحرير في الدار الآخرة.
كَانت بعض من الزّيوت التي استعملت قوية جدًا. لدرجة أنه حتى بعد ثلاثة آلاف وثلاثمائة سنة بعد موت توت عنخ آمون. كان بالإمكان اكتشاف أثر لطيب منبعث من مراهمِ في قوارير مختومة بإحكام عندما فتِح القبر.
كما وجد ت مثل هذه الاوانى والقوارير في مقبرة الملكه حتب حرس. وكذلك الحال مع الحسناء المصرية نفر تيتي التي أحاطت نفسها بالعطر. فكانت كل الصباح تذهب إلى غرفة الحريم لتعتني بها النساء عن طريق غسل جسمها بالماء المعطّر، مع تدليك بسيط. ثم يتم تعطير كامل بشرتها بزيوت فواحة موضوعة في أوانٍ ذهبيّة تدهش الأبصار. وقبل حضور أي مناسبة أو احتفال، كانت نفرتيتي تجلس على مقربة من نار مشتعلة بعطور خشب الصندل والبخور وبعض الروائح الزكيّة
ربما كانت كليوباترا أكثر حكام مصر شهرة، فكليوباترا الخبيرة في قوةِ وسحر الأريجِ كَانت مسرفة في استعمالها للعطرِ. فقد وقع القائد أنطونيوس في هواها فى اول لقاء بينهما على باخرة بالأشرعة المعطرة, حيث أعلن عن وصول كليوباترا بسحب من العطرِ قبل أن يبدو مركبها للعيان. ووقع أنطونيوس في سحرها وبالفعل صار متيمًا بها لدرجة أنه قتل نفسه على إثر سماعه لإشاعة كاذبة عن موتها وبالمثل. قتلت كليوباترا نفسها بإثارةِ صل للدغها بعد سماعها بموت أنطونيوس.
صناعة العطور
صنع الإنسان المصري العطور بطريقتين:
- الطريقة الأولى: العطر البارد، حيث توضع الأزهار مع قليل من الماء في قطعة من قماش الكتان. لها طرفان تمسك به سيداتان لتدور كل منهما عكس اتجاه السيدة الأخرى. فيتم عصر الورود فى إناء كبير ليسع الكمية المعصورة. ليتم حفظها في أواني خزفية وفخارية تقدم للملكات وزوجات الأمراء والكهنة للتزين به عند الاحتفالات.
- الطريقة الثانية: وضع الورود في إناء فخاري صغير وحرقه لأعطاء رائحة عطرة للجو. وكان هذا النوع من العطور جزء من القرابين المقدمة للآلهة أو لتوديع المتوفي ولم يكن لأغراض الزينة.
تهافت ملوك العالم على عطور مصر، ووصفوها بأنها من أحسن العطور وأغلاها. أما أباطرة الرومان فكانوا يفضلون العطور المصريه دون غيرها، وخاصةً المصنوعة في مدينة منديس القديمه في شمال شرق الدلتا.
وبغزو الإسكندر الأكبر لمصر في الـقرن الثالث قبل الميلاد. صار استعمال العطرِ والبخور في اليونان واسع الانتشار. مما دفع الفيلسوف اليوناني ثيوفراستوس الأثيني إلى أن يتطرق إلى مختلف المواد الحاملة للأريج والزّيوت الأساسية ومصادرها النباتية. وحتى تأثير الرّوائحِ المختلفة على أمزجتنا وعلى عمليات التفكير لدينا. كما بحث أيضا الكيفية التي ندرك بها الرائحةَ وأشار إلى الارتباط الموجود بين إدراكِ الرّوائح والذّوق.
تطوير صناعة العطور
أما العرب فيرجع لهم الفضل في ربط ماضي صناعة العطر بحاضرها. فقد طور الطبيب العربي ابن سينا عملية استخراج الزيوت من الزّهورِ بواسطة التّقطير.
وفي الوقت الحالي، تنتشر حقول الياسمين بكثافة في دلتا نهر النيل وفي منطقة الأهرامات. ومنها يحضّر العطر الصافي الذي يرسل إلى العالم أجمع ويشكل مورداً اقتصادياً هاماً.