وطنيات

جمال الغيطاني.. أديب بدرجة جندي في الجيش المصري

أسماء صبحي

اعتبر الكاتب الكبير الراجل جمال الغيطاني، نفسه دائما جنديًا في الجيش المصري، ربما قبل أن يعمل مراسلًا حربياً لجريدته الأخبار التي التحق بها عام 1966. وحين واتته الفرصة كي يصير مراسلاً حربيًا على الجبهة ومصر تخوض أشرس معارك الاستنزاف. كاد أن يطير فرحًا وطربًا، فها هو ذا سيكون وجهًا لوجه مع الأخطار. ومع الأحلام التي تتحقق على أرض الواقع، ومع بطولات الرجال الذين صمموا على محو العار.

كان يري أن حرب الاستنزاف يجب أن تعلو عند مناقشتها أي خلافات أو مواقف سياسية ضيقة الأفق. وذلك ما لمسه وأيقنه فترة عمله كمراسل حربي حيث صاغ رسائل مقاتل من أعماق سيناء وسط غبار المعارك وصهدها. مؤكدًا أن خلال الحرب يعرف الإنسان أخاه أكثر ولا توجد عكارات.

ذكريات جمال الغيطاني مع حرب الاستنزاف

ذكر جمال الغيطاني ذكرياته مع حرب 1969. عندما اشترك في الإغارة على أحد المواقع الحصينة بخط بارليف ورفع العلم المصري فوقه لأول مرة بعد يونيو 1967. حيث تعرف على المقاتل عبد الوهاب الذي تقدم حاملاً علم مصر وغرسه بهدوء وأدى التحية العسكرية.

قال الغيطاني في يومياته، إن عبد الوهاب كان له وجهان الأول هادئ ومترقب. والوجه الثاني يبرز خلال فترات الاشتباك عندما يهاجم العدو، ويلتحم جنوده بفولاذ مدرعاته. ويندفع في المقدمة يرفض نزول الإجازات.

تمركز جمال الغيطاني المحارب وزملاؤه بموقع يبعد سبعة عشر كيلو متر عن قناة السويس بالضفة الغربية. حيث رصد استطلاعهم مجموعة من دبابات العدو، مؤكدًا يقينه بأن القوات ستخرج لاصطيادهم كما تصطاد الثعالب الجرذان.

ثم نقل الغيطاني جانبًا أكثر إشراقًا في الحرب حيث أخليت بيوت القرية من المدنيين. حيث ذهبوا إلى قرية قلايبة بالقطاع الريفي من الجبهة يمارس الناس حياتهم بشكل عادي جدًا. قائلا: “أن ترى فلاحًا يحرث غيطا أثناء غارة جوية أو فلاحة تغسل ثياباً. أو طفلة تحمل طعامًا فوق رأسها تمضي به إلى والدها في لحظات الهدوء النسبي. حيث تبتعد أصوات الانفجارات والضجيج الذي تحدثه الطائرات، يخيل إليك أنك في منطقة من مناطق الريف المصري الهادئ جدًا الذي يسوده سلام أبدي”.

الحس الوطني لـ جمال الغيطاني

أثارت حرب الاستنزاف وملامستها الحس الوطني له. حيث قال في إحدى يومياته: “لو سمح المجاز لي أقول أن دمائي التي تسري في عروقي “كاكية اللون “. فإيماني بالعسكرية المصرية مطلق وبغير حدود، ومنحي فرصة مراسل حربي بحرب لاستنزاف وحرب أكتوبر. جعلني أرى قبل أن أقرأ وأعيش الواقع ذاته”.

ومن ألطف اللقطات التي ارتقبتها أعين المحارب الصحفي كانت “إفطار الصباحية” على الجبهة. حيث روى جمال الغيطاني في يومياته بالأخبار عن إفطار الصباحية. حيث كانت بالأراضي المحاذية للقناة مجموعة من الفلاحين لم يغادروا أماكنهم، ذهبوا إلى سيناء يحملون صواني عليها إفطار يوم الصباحية. كما اطلقوا على هذا الصباح الذي تلى الليلة الأولى للسادس من أكتوبر في سيناء، علاقة تشبه الصلة بين رب البيت وأهله.

كما ذكر لقطة أخرى أبهرت العالم عام 1973، ومن أكثر ما ترك صدى وقتها استخدام مصر لأول مرة في العالم مدافع مضادة للطائرات بكفاءة خارقة. وأسقطت به عددًا كبيرًا من الطائرات الإسرائيلية.

وأضاف في كتاباتة، أن الانسان اكتسب من الحرب وتعايش معها، فكان رجال الجيش يمارسون حياتهم العادية عند أقصى المواقع الأمامية المطلة على القناة. رغم أن غازات الطيران والقصف المدفعي ونيران القناصة أصبحت جزءًا أساسيًا من لحمة الحياة وسدادها. ومع مرور الوقت يرتد الانسان إلى حالته البدائية فينبطح قبل صفير القاذفة ويتخندق في الحفر. مؤكدا أن في الحرب يزداد الإيمان عمقًا بأن الأعمار بيد الله.

موقف صعب

ومن المواقف الصعبة التي تعرض لها، ذكر في يومياته إنه خلال عمله كمراسل حربي. زمن الحرب ضد إسرائيل تعرض للموت مرات عديدة بصحبة وزميله مكرم جاد الكريم. وفي أحد الأيام عام 1970كان يتجه إلى مدينة القنطرة وبصحبتهم صديقهم محمد عودة. وعندما شاهدوا أحد الجنود يجري فجأة ويحتمي بشجرة قصيرة جدًا تبدوا كعلامة استفهام في المنطقة الصحراوية بعد أن أشار بيده إلى السماء علامة وجود الطيران المعادي. وعلى الفور تركوا السيارة وانبطحوا أرضًا ورقد مكرم جاد الكريم على ظهره محاولا التقاط صورة كان يحلم بتسجيلها. طائرة لحظة إصابتها وسقوطها مشيرًا إلى أن مكرم كان شجاعًا إلى حد يثير الإعجاب والغيظ معا.

ثم سقطت قنبلة على بعد مائة وخمسين مترًا من مكاننا. وفي تلك اللحظة شعر الغيطاني أنه يعيش وقتًا إضافيًا كان ممكن أن يموت لحظة الغارة ولكنه نجا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى