فنون و ادبوطنيات

الفنان سمير الإسكندراني.. خدع المخابرات الإسرائيلية وأوقع أكبر شبكة تجسس

أسماء صبحي

استطاع الفنان سمير الإسكندراني خداع المخابرات الاسرائيلية، وأوقع أكبر شبكة للتجسس. بدأت القصة بحصول سمير علي منحة دراسية في مدينة (بيروجيا) الإيطالية، لدراسة الأدب واللغة في جامعتها الشهيرة. وهناك التقى بشاب يجيد العربية بطلاقة مدهشة، ويتحدث الفرنسية والإيطالية والإنجليزية في براعة. وقدم الشاب نفسه بأسم (سليم) الذي شك فيه سمير من تصرفاته وكلامه تجاه القضية الفلسطينية. ولما وجد تشجيعًا من سمير دفعه ذلك لكشف هويته وصارحه بأنه يهودي. كانت هذه نقطة البداية والخيط الذي شد سمير لمعرفة المزيد عن هذا الشخص ولماذا ارتبط به ووطد به علاقته بهذه السرعة.

سمير الإسكندراني يخدع المخابرات الإسرائيلية

قدم سليم صديقه أو بمعني أصح العنصر الصالح للتجنيد إلى رجل أخر، يحمل اسم (جوناثان شميت). وجاء دور جوناثان لدراسة الهدف وتحديد مدى صدقه وجديته، وأدرك سمير أنه تورط في أمر بالغ الخطورة. ولكنه لم يتراجع، وإنما مضى يقنع جوناثان، الذي لم يكن سوى أحد ضباط الموساد الإسرائيلي، بكراهيته للنظام. ورغبته في العمل ضده، حتى عرض جوناثان العمل لصالح ما أسماه بمنظمة البحر الأبيض المتوسط. لمحاربة الشيوعية والاستعمار، مقابل راتب شهري ثابت، ومكافآت متغيرة. وفقاً لمجهوده وقيمة الخدمات التي يمكنه تقديمها.

وافق سمير على الفور، وبدأ تدريباته على الحبر السري، والتمييز بين الرتب العسكرية، ورسم الكباري والمواقع العسكرية. وتحديد سمك الخرسانة، وأعطاه مبلغا كبيرا من المال، ومجلة صغيرة للإعلان عن ناد ليلي في روما. مطبوعة فيه صورته وهو يغني في بعض السهرات، كتبرير لحصوله علي المال.

قرر سمير أن يذهب لمبني المخابرات العامة ليحكي قصته وما استقر رأيه عليه. ولكنه في الوقت ذاته كان يصر على ألا يخاطر بما لديه من معلومات. وألا يبلغ بها سوي شخص واحد في مصر. الرئيس جمال عبد الناصر نفسه.

لقائه بالرئيس جمال عبد الناصر

فور عودته إلى القاهرة، وعن طريق أحد أصدقاء والده، تم الاتصال بالمخابرات العامة وبمديرها صلاح نصر. الذي قدمه للرئيس جمال عبد الناصر الذي استمع باهتمام شديد، إلى القصة التي رواها سمير. وشاهد مع مدير المخابرات تلك الحقيبة التي أعطاها جوناثان له. بجيوبها السرية، والعملات الصعبة، والحبر السري وغيره من أدوات التجسس. التي تطلع إليها الرئيس كلها، ثم رفع عينيه إلي سمير وقال له: “أعتقد أن دورك لم ينته بعد يا سمير.. أليس كذلك؟”. أجابه الشاب في حماس شديد: “أنا رهن إشارتك يا سيادة الرئيس، ودمي فداء لمصر”.وكان هذا إيذانًا ببدء فصل جديد من المعركة، الفصل الأكثر خطورة.

بدأ سمير يعمل لحساب المخابرات المصرية، وتحت إشراف رجالها، الذين وضعوا الأمر برمته على مائدة البحث. وراحوا يدربون الشاب على وسائل التعامل، وأسلوب التلاعب بخبراء الموساد.

كان سمير ثعلبًا حقيقيًا، أستوعب الأمر كله في سرعة وإتقان، وبرزت فيه مواهبه الشخصية. وقدرته المدهشة على التحكم في انفعالاته، وبراعته في التعامل مع العدو. فراح يرسل معلومات سرية وبتوجيه من المخابرات عن مواقع عسكرية ومواقع استراتيجية، دون أن يتجاوز قدراته الحقيقية. أو يبدي حنكة غير عادية، يمكنها أن تثير شكوك العدو.

طوال الوقت كان سمير يشكو في خطاباته إلى جوناثان من احتياجه الشديد للمال. ويهدد بالتوقف عن العمل، لو لم يعملوا على إخراجه من ضائقته المالية. وفي الوقت نفسه كان يرسل لهم عشرات المعلومات والصور، التي سال لها لعابهم، وجعلتهم يتأكدون من أنه عميل عظيم الأهمية. يستحيل التضحية به، لأي سبب من الأسباب، فطلبوا منه استئجار صندوق بريد، وأخبروه أنهم سيتدبرون أمر تزويده بالنقود المطلوبة.

إيقاع أكبر شبكة تجسس

وصل ثلاثة ألاف دولار إلى صندوق البريد، داخل عدة مظاريف وصلت كلها من داخل مصر. لتعلن عن وجود شبكة ضخمة من عملاء إسرائيل، تتحرك في حرية داخل البلاد وتستنفذ أسرارها وأمنها. وبدأت خطة منظمة للإيقاع بالشبكة كلها. وبدأت خيوط الشبكة تتكشف شيئا فشيئا،. وعيون رجال المخابرات المصرية تتسع أكثر وأكثر، في دهشة وعدم تصديق.

لقد كانت معظمها من الأجانب المقيمين في مصر، والذين يعملون بمختلف المهن، ويحملون جنسيات مختلفة. فمن مصمم ديكور يوناني، إلى موظف فندق إيطالي، إلى دبلوماسي ألماني، وجرسون ومدرس وممرضة.

أدركت المخابرات المصرية أنها أمام صيد هائل وبخطة ذكية استطاعت المخابرات وعن طريق سمير إقناع المخابرات الإسرائيلية بإرسال واحد من أخطر ضباطها إليه في القاهرة. وهو (موسى جود سوارد)، الذي وصل متخفياً، ولكن المخابرات المصرية راحت تتبع خطواته حتى توصلت إلى محل إقامته، وإلى اتصالاته السرية.

بضربة مباغته، ألقت المخابرات المصرية القبض على موسى، وتحفظت عليه، دون أن تنشر الخبر، أو تسمح للآخرين بمعرفته. وتمت السيطرة عليه ليرسل خطاباته بنفس الانتظام إلى الموساد، حتى يتم كشف الشبكة كلها، والإيقاع بكل عناصرها. راح عملاء الشبكة يتساقطون واحد بعد الأخر، والحقائق تنكشف أكثر وأكثر، ودهشة الجميع تتزايد وتتزايد.

ثم كانت لحظة الإعلان عن العملية كلها، وسط ذهول الصهاينة وهم يكتشفون أن الثعلب المصري الشاب سمير الإسكندراني قد ظل يعبث معهم ويخدعهم طوال عام ونصف العام. وأنه سحق كبريائهم بضربة ذكية متقنة، مع جهاز المخابرات المصري. الذي دمر أكبر وأقوى شبكاتهم تماما، وكانت الفضيحة الإسرائيلية عالمية، وكان النصر المصري ساحقا مدويًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى