المزيد

حريق لندن العظيم كيف تحولت المدينة إلى رماد في أربعة أيام

قبل اندلاع حريق لندن العظيم عام 1666، كانت المدينة تعج بالحياة، لكن ظروفها كانت مهيأة تمامًا لكارثة كبرى، حيث شُيدت معظم المباني من الخشب المغطى بطبقة من الزفت القابل للاشتعال، الذي استُخدم كعازل لمنع تسرب المياه، فيما كانت الأسقف من القش الجاف، ومع غياب التخطيط العمراني المنظم، بدت البيوت متلاصقة بلا أي فواصل حقيقية، وعاش في المدينة نحو 350 ألف نسمة إلى جانب أعداد كبيرة من الحيوانات، مما جعل الشوارع مكتظة بالحظائر والتبن الجاف القابل للاشتعال، كما شهد ذلك العام صيفًا طويلًا وجافًا، جففت حرارته البيوت الخشبية، فتحولت إلى حطب ينتظر الشرارة الأولى.

قصة حريق لندن العظيم

 

في ذلك الوقت لم تكن هناك فرق إطفاء منظمة، بل كانت محاولات إخماد الحرائق بدائية تعتمد على دلاء جلدية وفؤوس ونافورات مياه محدودة لم تكن كافية لمواجهة حريق واسع النطاق، وجاءت الكارثة من متجر الخباز توماس فارينر في شارع بودينج لين، حيث كان الرجل يعمل في تزويد البحرية الملكية بالخبز، وبعد انتهاء خدمته استقر في لندن، وفي ليلة الأول من سبتمبر 1666، وبعد يوم عمل طويل، ترك النار مشتعلة في الفرن، ورغم ادعائه لاحقًا أنه أطفأها، إلا أن النيران كانت قد اندلعت بحلول الساعة الواحدة صباحًا، والتهمت المنزل بسرعة، تمكن فارينر وعائلته من الفرار عبر نافذة الطابق العلوي، لكن خادمته روز لقيت مصرعها، لتصبح واحدة من ستة ضحايا فقط تم تسجيلهم رسميًا.

في البداية لم يعر السكان الحريق اهتمامًا كبيرًا، إذ كانت الحرائق الصغيرة أمرًا شائعًا في تلك الفترة، لكن الرياح الشرقية القوية ساعدت النيران على الانتشار بسرعة، فامتدت من شارع بودينج لين إلى شارع فيش هيل ووصلت إلى نهر التايمز، حيث التهمت مستودعات مليئة بمواد قابلة للاشتعال مثل الزيت والشحم، ولحسن الحظ، لم تتمدد النيران جنوبًا، حيث سبق أن تعرض جسر لندن لأضرار كبيرة في حريق عام 1633، استمر الحريق أربعة أيام، دمر خلالها 80% من المدينة، بما يشمل أكثر من 13 ألف منزل و87 كنيسة، وترك ما يزيد عن 100 ألف شخص بلا مأوى، ورغم أن الأرقام الرسمية للضحايا كانت قليلة، إلا أنه يرجح أن عدد القتلى كان أكبر بكثير، حيث التهمت النيران جثثهم دون أن تسجل.

سجل الكاتب صموئيل بيبس، الموظف في البحرية الملكية، مشاهداته عن الحريق في مذكراته، واصفًا المشهد بجملة مؤثرة حيث قال إن لندن العصور الوسطى أصبحت كلها في الغبار، كما اقترح على الملك تشارلز الثاني هدم المباني المحترقة لوقف انتشار النيران، وهو ما أمر به العمدة باستخدام خطافات النار، لكن الإجراءات كانت بطيئة وغير كافية، مما دفع السكان إلى الفرار، فدفن البعض ممتلكاتهم الثمينة أو أخفاها هربًا من النيران.

بعد الكارثة كان لا بد من إعادة بناء المدينة من جديد، فتولى المهندس المعماري السير كريستوفر رين قيادة المشروع، وركز على إعادة تصميم كاتدرائية سانت بول، التي أصبحت رمزًا للمدينة الجديدة، لكن عملية إعادة الإعمار كانت صعبة للغاية، حيث شيدت مباني مؤقتة غير ملائمة، وتفشى المرض بين السكان، وفاقم الشتاء القارس من معاناتهم، مما أودى بحياة العديد منهم، واستغرق بناء لندن الجديدة أكثر من 30 عامًا، وأقيم نصب تذكاري بارتفاع 202 قدم بين عامي 1671 و1677 في موقع بداية الحريق ليخلّد ذكرى واحدة من أعظم الكوارث في تاريخ المدينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى