عادات و تقاليد

البرنوس “جاه الغني ودفء الفقير”.. يمنع دخول الهواء والريح ومرور المطر والبرد

دعاء رحيل
 
يعرف في عادات وتقاليد منطقة الجلفة الجزائرية إن من يرتدي البرنوس هو “راجل ترَّاس” (رجل جدع) ومن يلبس برنوسين “راجل ونص”، في إشارة إلى أن هذا اللباس دليل هيبة للرجل في البلاد. ويقال أيضا إنه “جاه الغني ودفء الفقير”.
 
ويعتبر “البرنوس” هو لباس تقليدي ترتديه فئة كبيرة من سكان شمال أفريقيا، ولعل أجود أنواعه على الإطلاق هو ما يصنع في مدينة مسعد الجزائرية ويصدر لدول الجوار، يلبسه قادة وزعماء البلاد على مر السنوات ويهدى للشخصيات المرموقة التي يستضيفونها، فهو عبارة عن سترة طويلة تغطي الجسم من الأكتاف للقدمين مربوطة بقلنسوة، بدون أكمام، ويلبس في فصل الشتاء وله ألوان عديدة تختلف وفق المادة الأولية التي صنع منها، أبيض وبني محمر وقاتم وأسود ورمادي.
 

المادة الأولية

تتعدد أنواع، فهناك البرنوس “المسعدي ” العربي الأصيل “نسبة لمدينة مسعد”، فيعد الأجود، وفق أصحاب الاختصاص، حيث يصنع من وبر الإبل في عامه الأول أو ما يعرف في المنطقة بـ”المخلول” وفي مناطق أخرى بـ”العقيقة”.
 
وفي هذا الصدد قال السيد عمار حجاب -وهو أحد أقدم أصحاب “الصنعة” لما يقارب الـ40 سنة، طريقة استخراج وبر أجود أنواع البرنوس، مؤكدًا حجاب “يتم جز وبر الإبل حديث الولادة والذي لا يتجاوز عمره السنة، يغسل ثم يمرر عبر “شاش” -وهو قطعة قماش بها ثقوب صغيرة جدا- ليتم تصفية الوبر الخشن من الرفيع ويستخدم الأخير في صناعة البرنوس فيما يتم التخلي عما بقي”.
 
كما نوه حجاب، فقد يستغرق جمع المادة الأولية أشهرا عدة، ويستدعي جز الكمية المطلوبة لـ”برنوس” الواحد عشرات الإبل، ليتم تحصيل ما يقارب الـ2 كيلوغرام من الوبر التي يتم استخدام حوالي 700 غرام منها فقط، وعقب تصفية الوبر، يتم غزله وتمريره على الآلة اليدوية المعروفة محليا بـ”القرداش” بهدف تنعيمه وجعله خيطا متجانسا وبعدها تجتمع النسوة لنسجه، حيث يبلغ عرض “البرنوس” 4.5 أمتار في الغالب.
 

قيمة البرنوس

وتعرف جودة “البرنوس” عند أصحاب الخبرة من خلال شدة رفعه وسماكته، ومن أبرز خصائصه أنه يمكن طيه وحمله بكف اليد الواحدة، ويمنع هذا اللباس دخول الهواء والريح ومرور المطر والبرد.
 
ويشبه مصمم الأزياء الشاب “أمين حجاب” حسنَ طريقة استخدام وبر الإبل في “البرنوس” بما يستخدم في البيرو وتشيلي، “في هذين البلدين يتم تصنيع أرقى أنواع الأوشحة الشتوية بوبر حيوان “اللامة” بالاعتماد على ذات تقنية “البرنوس”.
 
ووفق المتحدث يصل سعر الوشاح بالبيرو وتشيلي للماركات العالمية لحوالي 5 آلاف دولار، وعن سعر “البرنوس” فيختلف وفق اختلاف المادة الأولية فلا يتجاوز سعر الأبيض المصنوع من الصوف 150 دولارا، فيما يصل الوبري إلى ألفي دولار وأكثر.
 

برنوس النساء

ولبست المرأة لاحقا البرنوس في الجزائر، بعدما تم إدخال مواد جديدة عليه، فبات يصمم بتطريزات خاصة إلى جانب استخدام قماش الحرير والمخمل وغيرها، مما يجعله قابلا لـ”التأنيث”.
 
وتخرج العروس من بيت أهلها في عادات بعض المناطق مرتدية برنوس والدها، يقال “خرجت بستره وتحت جناحه”.
 
 
وفي سياق متصل قال محي الدين عميمور -وهو دبلوماسي سابق- قصة تعيينه سفيرا في باكستان، في مقالة يحكي فيها عن ارتدائه لهذا اللباس التقليدي في أثناء تسليم أوراق اعتماده وكيف أن “البرنوس” أصبح حديث العام والخاص في باكستان آنذاك.
 
ولا تكاد تزور شخصية بارزة في الجزائر حتى تحظى “ببرنوس” وبري (طاقية- قبعة) كهدية راقية، ينسجها المتمسكون بصناعة هذا اللباس التقليدي ويتباهى رؤساء البلاد بلبسها وتقديمها لضيوفهم. فمن دخل الجزائر ونال ببرنوس قد حظي باحترام أهلها ووقارهم.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى