حكاية شارع “خان الخليلي”.. بنى على مقابر الفاطميين
أميرة جادو
يعتبر خان الخليلي، أحد أحياء القاهرة القديمة، ويتمتع بجذب سياحي كبير بالنسبة لزوار القاهرة ومصر بشكل عام، حيث يضم العديد من البازارات والمطعم والمحلات الشعبية التي تستقطب السياح، ويقع حاليًا بين جامع الحسين وشارع المعز، وبين ميدان وشارع الجامع الأزهر، وهو من أبرز آثار العصور الفاطمية والمملوكية، وكان موضعه تربة القصر الشرقي الخاص بالخليفة المعز بالله الفاطمي، التي فيها قبور الخلفاء الفاطميين المعروفة بـ “تربة الزعفران”، وقد دمر الأمير “جهاركس الخليلي” هذه المقابر، وبنى هذا الخان مكانها في 1382م، الذى مازال يعرف باسمه حتى الآن.
ويأخذ الخان شكل مربع كبير، ويحيط بفناء يشبه الوكالة، فيما تضم الطبقة الوسطى منه المحلات، أما الطبقات العليا فتحتضِن المخازن والمساكن.
قصة بناء الخان
جاءت فكرة بناء الخان، عندما أراد الأمير جهاركس الخليلي أن يشيد لنفسه خانًا كبيرًا، من أجل ممارسة كافة أنواع التجارة، وبعد بحثه عن مكان مناسب لبنائه، رأى أنه يمكنه بنائه بمكان قريب من مسجد سلطانه “الظاهر برقوق” وقريب من ميدان “بين القصرين” بشارع المعز، ولم يكن هناك شيء يمنع الخليلي عن تنفيذ قراره، إلا أن الأرض التي اختارها كانت تضم رفات الخلفاء الفاطميين، وهو ما يستدعى نبش قبورهم للبدء في البناء، وهو قرار لم يكن من السهل اتخاذه دون مبرر قانوني.
وكان لجهاركس ، صديق اسمه الشيخ “شمس الدين محمد القليجي”، وهو شيخ حنفي يعمل على الفتاوي، وتولى نيابة القضاة بالقاهرة لفترة، فتوجه إليه الخليلي وسأله الرأي الشرعي في نبش القبور التي تعيق إنشاء مشروعه الاقتصادي، فما كان من القليجي إلا أن أفتاه بجواز إزالتها وإلقاء ما بها من رفات لأن الفاطميين “كفارًا”.
فقام الأمير بنبش تربة الزعفران واستخراج رفاة عشرات الرجال والنساء، وقام العمال بوضعهم على ظهر الحمير، وألقى بها في “كيمان البرقية”، مقلب قمامة ضخم موضعه الحالي هو حديقة الأزهر، في نهاية لا تليق بمن كانوا يومًا ما حكامًا لدولة مترامية الأطراف تشمل مصر وأجزاء من الشام وشمال أفريقيا.
تاريخ الخان
وفي يوليو 1511م، وقد قام السلطان الغوري بهدم خان الخليلي وأنشأ مكانه حواصل وحوانيت وربوعًا ووكالات للتجار يتوصل إليها من ثلاث بوابات، وقد هدمت هذه الحواصل والحوانيت وأعيد بناء الخان بعد ذلك.
ولم تؤثر عوامل الزمن على الخان، وظل ملهمًا للأدباء والفنانين، فيحرض أخيلتهم دائمًا على الإبداع، مثلما كتب “نجيب محفوظ” روايته (خان الخليلي) من وحى أجواء الحى القديم، واصفًا إياه “ستجِد في الشارع الطويل، عِمارات مُربعة القوائم تصِل بينها ممرات جانبية تقاطع الشارع الأصلي، وتزحم جوانب الممرات والشارع نفسه بالحوانيت (أي الدكان)، فدكان للساعاتي وخطاط وآخر للشاي، ورابع للسجاد وخامس للتحف وهكذا، بينما يقع هنا وهناك مقاهي لا يزيد حجم الواحدة منها عن حجم الحانوت (الدكان) الصغير، وقدّ جلسَ الصنَّاع أمام الدكاكين يكبون على فنونهم في صبر”.
من هو الأمير جهاركس الخليلي؟
هو أحد أمراء الدولة المملوكية في عهد السلطان الظاهر برقوق، ومقربا إليه، ويحمل لقب “أمير أخور”، ويعود نسبه إلى مدينة الخليل بفلسطين، كان المشرف على الإسطبلات والبريد.
وأشار “المقريزي” إلى أن جهاركس “كان خبيرًا بأمر دنياه كثير الصدقة ووقف هذا الخان وغيره على عمل خبز يفرق بمكة على كل فقير منه في اليوم رغيفان، فعمل ذلك مدة سنين ثم لما عظمت الأسعار بمصر وتغيرت نقودها من سنة ست وثمانمائة صار يحمل إلى مكة مال ويفرق بها على الفقراء”.
نهاية الأمير جهاركس
كانت نهايته مثيرة وتستدعى التوقف، وهى نهاية اعتبرها “المقريزي” أفضل جزاء على ما فعله من نبش لقبور الموتى والاستهانة بها.
فقد أمره السلطان برقوق، بترأس جيش ضم 500 مملوك، والتوجه بهم إلى دمشق لمواجهة بعض الأمراء الذين خرجوا على السلطان، في “معركة الناصري” عام 1389م، إلا أن جنود السلطان هزموا بسبب خيانة بعض القواد للخليلي وفرار الباقين.
وقد قتل الخليلي في هذه المعركة، وقد ذكر المقريزي “وقتل الخليلي في يوم الاثنين حادي عشر شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، وترك على الأرض عاريًا وسوءته مكشوفة، وقد انتفخ وكان طويلًا عريًضا إلى أن تمزق وبلى عقوبة من الله تعالى بما هتك من رمم الأئمة وأبنائهم”.