قبيلة العفر في الديار المصرية
حاتم عبدالهادي السيد
لقد نزل بمصر من العفريين ثلاث عشرة بطناً من المعافرة؛ شاركوا في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية في مصر؛ وكانت لهم السطوة وكثرة العدد فقد كانوا حوالى عشرين ألفاً ، كما شاركوا في حرب ” ابن جحدم ” ضد مروان بن أمية في الفترة من عام 64-65 هـ؛ وكانوا كما يذكر صاحب كتاب الحفظ من أكثر قبائل مصر عدداً؛ بما يعكس ضخامة هذه القبيلة في مصر آنذاك .(3)
ولقد شارك المعافر في فتح مصر؛ وأنزلهم عمرو بن العاص بداية حول الجامع في الفسطاط؛إلا أنهم انتقلوا – بسبب البعوض – في زمن الفيضان للنيل إلى الجبل المشرف على البركة ؛ والتي أصبح اسمها : ” بركة وجبل المعافر “، وكان الجبل في مكان مرتفع ؛ وهو ما يشبه مساكنهم القديمة في أعالى اليمن التى نزحوا منها، ولقد أشرفوا على قبائل مصر؛ بما فيها قبيلة قريش – التى كانت تسكن تحت أقدام الجبل حول الجامع، بما يعكس مكانتهم وقوتهم وسطوتهم؛ وكثرة أعدادهم كذلك ، كما كانت معهم في البركة قبائل من حمير .
ولقد انشأ عمرو بن العاص بناء على رأى الخليفة عمر بن الخطاب ” نظام الإرتباع في مصر “؛ ويقصد به أن يستريح الجند لمدة شهرين أو ثلاثة في العام ويذهبوا للراحة في الجبال والصحارى كى لا ينسى الجند حياة الجندية وينغمسوا في ملذات وترف المدن وعاداتها ، وهو نظام ” تعريب العرب : ” كى لا ينسوا حياة البداوة، ويحافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ، كما إنها فرصة للتدريب على فنون القتال؛ والتشاور في أمور الحرب والمعيشة، والراحة كذلك ، ولقد أسموا أماكن كل قبيلة ” كورة ” أى منطقة مُكوَّرة تخص كل قبيلة على حدة.
ولقد تعددت مرتبعات القبائل نظراً لكثرة عددهم؛ وكانت مرابعهم في مناطق : ” أتريب “؛ ” سخا ” ، منوف؛ وسخا هى كورة عاصمتها مدينة سخا الحالية بكفر الشيخ )؛ كما عاش العفر في مدينة ” الأسكندرية”؛ وعلى أطرافها.
ولقد كثر في المعافر الشعراء، وحفظة القرآن الكريم ؛ ولعل أول من قرأ القرآن بمصر هو ” عبيد بن عمرو الصحابى الذى شهد الفتح ، فلما مات دفن بمنطقة ” القرافة ” والتي أشتهرت كذلك بإسم ” قرافة العفر ” .
ولقد شارك العفريون في الحياة السياسية في مصر بقوة ؛ وشهدوا حرب ابن جحدم، وكانوا عشرين ألفاً – جميعهم اشترك في الحرب- ؛ بما دعى الشاعر عبدالرحمن بن الحكم أن ينشد في شجاعتهم ؛ وفى بطولات الجيش المصرى آنذاك الذى وقف في وجه ” مروان بن الحكم ” سنة 65هـ ليمنعه من دخول مصر؛ ولقد صور الشاعر أهم فرقة في المعركة ؛ وهم فرقة المعافر فقال :
وجاشت لنا الأرض من نحوهم بحَيَّىْ تجيب ومن غافق
وأحياء مذحج والأشعرين وحمير كاللهب المحرق
وسَدَّت معافر أفق البلاد بمرعد جيش لها مبرق (4)
ولقد كان المعافر في عداوة مع الأمويين، إذ كانوا ينتصرون لعلى بن أبى طالب؛ ولقد قاموا بنصيب ضخم من الحروب ضد المروانيين؛ وكان زعيم المعافرة : ” عبدالرحمن بن موهب ” والذى وَقَّع بعد ذلك صلحاً مع الأمويين؛ وكان من أكابر الناس ؛ ورجلاً ذا ثراء ونفوذ ، وكان حكيماً في الأمر لأنه لا يريد افناء القبيلة في عداوة مع الأمويين ؛ فقد كثر القتال بينهم؛ وشهدت المعارك الكثير من القتلى من الجانبين آنذاك .
ولعل نخوة العفر كونهم يُشاقّون الملوك ويعصونهم، لأنهم من سلالة ملوك في الأصل قد جعلت كثيرين منهم يرفضون ذلك الصلح؛ مما اضطر مروان إلى قتل ثمانين من العفر الذين رفضوا بشدة أن يخلعوا ” بيعة ابن الزبير ” ليبايعوه هو؛ كما يقال بأن مروان بن أمية قد قتلهم لأنهم رفضوا ” اعلان البراءة من على بن أبى طالب “؛ بما يعكس ميولهم العلوية .
والعفر مشاقين الملوك ؛ لا يذعنون لأحد، لذا رأيناهم في القرن الثانى سنة 117 هـ يرفضون أمر الخليفة الإسلامى نفسه في مسألة ” المكاييل ” ؛ فقد رفضوا استعمال ” المُدْى” الذى أراد توحيد المكيال به في بلاد خلافته، واستعملوا ” المكيال المحلى ” من ” الويبة ” و ” الأردب ” ؛ ولقد افتحر شاعرهم بتمردهم وخروجهم على الخليفة فقال :
من بعد ما زلت له أعناق يعرب بل مضر
فقد رفضوا الذل ، والإنصياع لأمر الخليفة، فقد كانوا يأخذون رأيهم من عقلهم فقط، ودون املاءات من أحد؛ حتى لو كان خليفة المسلمين نفسه .، ولقد ظل المافر يعادون الحكم الأموى طوال فترة حكم الأمويين عدا قلة قليلة منهم؛ ومنهم ” عبدالرحمن بن موهب العفرى”، وهو الذى رفض كذلك اجماع أهل مصر على خلع ” مروان ابن محمد ” لما دعاهم إلى ذلك الثوار اليمانيون سنة 127هـ، كما كان من قادة العفر الكبار ” عبدالرحمن ابن عتبة المعافرى ” الذى أخمد ” ثورة يحنس القبطى ” بمنطقة ” سمنود ” بالبحيرة سنة 132هـ ، كما أخمد ثورة ” أبى مينا ” بها ؛ عام 135هـ .
ولقد كانت هناك حركة عرفت باسم ” حركة التسويد في مصر ” ؛ لكن لم تخبرنا المصادر على اشتراك العفر في هذه الثورة؛ وربما يرجع ذلك إلى احتفظاهم بميولهم العلوية نحو على بن أبى طالب؛ فعندما فَرّ ” على بن محمد بن عبدالله ” من الأمويين سنة 144هـ؛ وكان أول علوى قدم إلى مصر؛ رأينا العفر يستقبلونه بحفاوة، ولقد أخفاه ” عسامة بن عمرو العفرى ” في منزله؛ كى لا يتعقبه الأمويون؛ كما قام بتزويجه ابنته ، لكن المهدى تعقب ” عسامة ” وحبسه لهذا السبب؛ ثم عفا عنه بعد ذلك، وأصبح ” عسامة المعافرى ” من كبار رجال الدولة في مصر حتى توفى عام 176هـ