كتابنا

د. صلاح سلام يكتب.. عاشق الروح

لما قلبك يدق مع نفسك مع أغنية لعبد الحليم، ولما عينيك تدمع وأنت بتسمع ست الحبايب، ولما يكون العزف على أوتار قلبك وأنت بتسمع عبد الوهاب بفكر في اللي ناسبني، ولما قلبك يفرح بضحكة فاتن حمامة في يابو ضحكة جنان لفريد الأطرش، ولما تضحك من قلبك مع فؤاد المهندس وصباح وأنت بتسمع الراجل ده هيجنني في رمضان.. تأكد أن دي كلمات الشاعر حسين السيد المولود في اسطنبول، وخريج مدرسة الفرير الفرنساوي، والذي توقف عند تالتة تجارة لوفاة والده، الذي كان من كبار الموردين للأغذية للجيش والمستشفيات ليكمل مشواره.. والذي كان حلمه أن يكون ممثلا، فعندما طلب المخرج محمد كريم ممثلين لفيلم يوم سعيد ذهب للاختبار.. ولكن الصدفة أسمعته حوارا في الكواليس، ومطلوب كتابة أغنية تحكي لمشهد ما فبادر بالتطوع بذلك، وأمهلهم ليلة، ولم يصدقوه، وعاد بكلمات أغنية وسمعها عبد الوارث عسر، وأعجب بها، وهي أغنية “اجري اجري”، وقدمه لعبد الوهاب، ومن يومها أصبح توأمه، وعندما قالوا له انه كاتبك الملاكي، قال هذا شرف لا ادعيه وتهمة لا انفيها، فحسين السيد له أذن تغني وهو يكتب..

فقد أبدع مع عبد الوهاب أغنيات وطنية “صوت الجماهير ودقت ساعة العمل” التي تحس وأنت تسمعها، أنها تشحذ الهمم للانطلاق والبناء، كما أبدع في عاشق الروح والحبيب المجهول وعلشان الشوك اللي في الورد.. وكاد يكتب لام كلثوم عندما تصالح معسكرها مع معسكر عبد الوهاب في عام ١٩٦٤ وأعجبتها” شكل تاني”، ولكنها طلبت إضافة لأنها قصيرة وغنتها نجاة، وكذلك في يوم وليلة وأيضا طلبت تعديل، فغنتها وردة فيما بعد.

كتب حسين السيد أجمل أغاني عبد الحليم أهواك وقولي حاجة وظلموه وتوبة وعقبالك يوم ميلادك، وأغاني وطنية أيضا يا حبايب بالسلامة بعد عودة جيشنا من اليمن، وكان يميل حسين السيد إلى الحكاية في أغانيه، فكتب لحليم فاتت جنبنا، ولنجاة ساكن قصادي وياويلي من حبه لفريد، وقدرت تهجر لفايزة وطبعا ست الحبايب، التي كتبت عنها حكايات، ولكن ما سمعته من ابنته د.حامد – وهي طبيبة وأستاذ تحاليل طبية – أنها كتبت عندما أقترح علي ومصطفى أمين على وزير الإعلام ثروت عكاشة فكرة عيد الأم، فطلب أغنية تواكب هذه المناسبة، وقد كتبها ولحنها مع عبد الوهاب في ٤٨ ساعة.. وبرغم السرعة في كتابتها وتلحينها، إلا أنها عاشت أطول من أعمار من أبدعوها وربما لعقود طويلة قادمة.. ولا أظن أن أحدا منا يسمعها يوم عيد الأم ولاتتحشرج احباله الصوتية وتلمع الدمعة في عيونه، وخاصة من فقدوا حنان الأم ودعواتها التي طالما ظلت تحرس خطواتهم، وتظلل الطريق، وتفتح لهم الدروب المغلقة..

وأما ليلى مراد فأنشدت معه بالحب جميل ويا حبيب الروح و اتمختري يا خيل، ولاننسى حمد لله على السلامة يا أبو أجمل ابتسامة لنجاة.. وكتب للأطفال أغنيته الخالدة لمحمد فوزي ماما زمانها جايه، ولصباح امورتي الحلوة، وأكلك منين يا بطة.. وسلمولي على مصر عندما منعت من دخول مصر بعد انفصال سوريا لأسباب تتعلق بالضرائب والسياسة، وفي أول وفد سياسي أوفده عبد الناصر لسوريا برئاسة الوزير محمد فايق، اصطحب فيه عبد الحليم حافظ، وغنى في دمشق فخرجت كل دمشق تحي الوفد المصري، وقابل الوفد المطربة صباح، وعادت معهم إلى مصر، وبأمر من الرئيس.. وأسوق هذه الحكاية مرارا لنتذكر كم كان الفن راقيا ويقرب الشعوب إلى مصر، وكيف كان يفكر الزعماء في السياسة، إذ يعتبرون مزاج وتفكير الشعوب جزء لا يتجزأ منها..

ولا أنسى أبدا أن شاعرنا قد كتب أغنية تقطع نياط القلب للعظيم وديع الصافي، وهي دار يادار، فإذا اختليت إلى نفسك، وتذكرت بيتكم القديم في قريتك او مدينتك، وكم كان عامرا بالأهل والأخوة والأحباب وطيف والديك في كل أركانه، وماذا فعل الزمن بك وبهم وماأال إليه من فراق ورحيل وسفر، سوف تختلج مشاعرك بكلمات حسين السيد، وصوت الجبل، وتعيش العمر مرة أخرى، ولكن بطعم أخر لا يخلو من المرار..

للعلم انه كان صديقا للرئيس السادات، وكان يرسل له سيارته، ويسمع منه أغانيه بصوته وإلقائه قبل أن تغنى” بضم التاء وفتح الغين”، وقد كان يسكن في العجوزة على مقربة منه في عمارة السعوديين، وهي في الاصل عمارة الفنانين، وكان حليم وإخوته جيرانه قبل أن يغيروا سكنهم بالزمالك، وكذلك فاتن حمامة قبل أن تنتقل لعمارة ليبون بعد زواجها من عز الدين ذو الفقار.. ومنحه السادات وسام الفنون إلى جانب وسام العلوم والفنون من عبد الناصر.. ومن الغريب انه برغم هذا الكم الغزير من إنتاج حسين السيد، إلا انه لم يحظى بأي شراكة مع أم كلثوم، ربما لقربه الشديد من عبد الوهاب، حتى عندما غنت من ألحانه، كانت الكلمات لأحمد شفيق كامل في” أنت عمري “، واظنه لو نوى لأبدع، فهو في الفصحى يقهر العامية، وفي العامية يعانق الفصحى كما النواسي يعانق الخيام…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى