كتابنا

الحوار الفعال

بقلم .أ.د. محمد رجب فضل الله

إن متعة الحياة ، وغايتها في التواصل مع الآخرين ، والتحاور حول قضايا الحياة والمجتمع والعالم ، دون خوف أو خجل ؛ فالإنسان – بطبعه – كائن اجتماعي ، خلقه الله ؛ ليتعارف ويتحاور ، والأكرم هو الأعقل والأتقى.
إن الحوار إنساني: المفهوم، والعمليات، والمنتجات، يوجد حيث يوجد البشر، ويثري حين يتوافر العقلاء من هؤلاء البشر. وإذا كان الحوار مطلباً في الماضي، والحاضر، فهو مطلب أكثر إلحاحاً الآن، وفي المستقبل.
إن مصرنا الجديدة بما تزخر به من ديمقراطية حقيقية؛ تحتاج إلى حوار فعال يجب أن يتم بطريقة منظمة؛ بهدف تحليل الأحداث، وتحقيق الفهم والإفهام للتوجهات والآراء، ومراجعة الأفكار والأقوال، وتداولها بحكمة بين الأطراف المشاركة في هذه الحوار ؛ ليصل بنا – في النهاية – إلى قَنَاعَات تُرْضِي جميع الأطراف ، وذلك بالحُجَّة والدليل، دون تَعَصُّبٍ لوجهة نظر أو رأيٍ مُسْبَقٍ.
الحوار الفعال يُمَكٍن الإنسان من مواجهة المشكلات التي تواجهه، والبحث عن حلول لها ، ولاسيما في هذا العصر ؛ حيث الحاجة لأن يتعلم الجميع كيف يفكرون سويًا، ولا سبيل إلى ذلك إلاَّ بالحوار والتفاوض.
الحوار سلاح من أسلحة الوجود الثقافي، وهو وسيلة ناجحة من وسائل الدفاع عن المصالح العليا للأمة، وشرح قضاياها ، وإبراز اهتماماتها ، وتبليغ رسالاتها ، وإسماع صوتها ، وإظهار حقيقتها ، وكسب الأنصار لها ، وجلب المنافع إليها ، ودرء المفاسد عنها.
إن الحوار من أهم الوسائل للتواصل والإقناع، وترويض النفس على القبول بالرأي والرأي الآخر، واحترام النقد، والوصول لحلول للمشكلات المختلفة.
واسمح لي – قارئ العزيز – أن اُعدد لكم صوراً غير مقبولة لممارسات ملحوظة فيما يدور في مواقف الحوار؛ مؤكداً أن مثل هذه الممارسات وما يماثلها ، تُضعف الحوار ، ولا تساعد على تحقيق أهدافه ، بل قد تؤدي إلى نتائج عكسية؛ تزيد من هوة الخلافات بين الأطراف ، وهو ما لا نتمناه ، ولا يتحمله واقعنا الذي نسعى إلى الانتقال به نحو التوافق ثم نحو الإصلاح والصلاح، وهو المأمول .
ومن الممارسات التي تضعف الحوار، ولا تساعد على تحقيق كفاءته وفاعليته المنشودة ما يلي:
– تركيز أحد طرفي الحوار أو كليهما على السلبيات والأخطاء، مما يجعله حواراً قاتماً ومتشائماً، لا ينتهي– عادة – إلى فائدة.
– انشغال طرفي الحوار أو أحدهما بالألفاظ دون الأفكار أو المعلومات، والتباهي بالتفوق اللفظي في المناقشة على حساب الثمرة الحقيقية والنهائية لتلك المناقشة.
– استخدام المتحاورين لألفاظ غامضة ذات معاني متعددة، تعطي في ظاهرها عكس ما يعطيه باطنها؛ مما يؤدي إلى نتائج مزدوجة وأحياناً متعارضة أو متضاربة.
– إصرار أحد الأطراف على إلغاء كيان الطرف الآخر: لا يمنحه فرصة الكلام أو التعقيب أو الرد، معتبراً أنه الأفضل، وأن الطرف الآخر لا يستحق أن يحاوره.
– لجوء أحد الطرفين أو كليهما إلى تسطيح الحوار، وتهميش ما يطرح خلاله من أفكار أو معلومات، أو آراء ؛ طلبًا للسلامة ، أو هروباً من إعمال العقل .
– الإعلان المبكر من أحد الطرفين عن التمسك بالآراء أو الأفكار أو المعلومات أو غيرها، وقبل أن يستمع إلى الطرف الآخر، مما يجعل طريق الحوار مسدوداً.
– إصرار أحد طرفي الحوار على أن كل ما يطرحه هو الصواب، مقابل خطأ كل ما يطرحه الآخرون؛ يرى الصحة فيما يقوله ، و الخطأ فيما يصدر عن الطرف الآخر.
– المبالغة في المسالمة، والتنازل عن الحق في التحاور إما خوفًا، أو تبعيةً، أو استخفافاً، أو رغبة في إلقاء المسئولية على الطرف الآخر ، ليتحمل – وحده – عواقب الحوار.
– العناد والمشاكسة ، والاتجاه المعاكس ، إذا قال أحد المتحاورين شرقاً أسرع الآخر بالقول غرباً ، وعندما يقول الأول ” أنا موافق بشدة ” ، يرد الثاني ، ” وأنا أرفض بشدة “.
– الصمت ، كنوع من التجاهل ، والمعاندة في عدم الرد ، والنظر دون التعليق ، رغبة في الكيد والمضايقة ، وإظهار الاستهانة بالطرف الآخر في الحوار ، وبكلامه .
– السعي إلى إثبات الذات ، بغض النظر عن تحقيق الهدف من الحوار ، ولا يهم إلا إفحام المحاور ، وإظهار ضعفه ، ولو بصورة غير مهذبة ، أو بنقاش غير لائق.
إذا كنا نسعى إلى حوارات مثمرة، تحقق لهذا الوطن الغالي ما نصبو إليه جميعاً من إصلاح وتطوير؛ فإنني أرجو أن يسعى كل مشارك في أي حوار إلى تجنب ما يلي:
الرغبة في الكلام من أجل الكلام دون هدف محدَّد، أو ما يسمى بالثرثرة.
التعصب للآراء والمذاهب والأفكار والأشخاص.
النطق غير السليم، أو عدم وضوح الصوت أثناء الحوار.
النظرة الأُحَادية حيث يدور الشخص حول رأيه ووجهة نظره، ويرفض ما عداها.
المراء المذموم واللجاجة في الجدل ومحاولة الانتصار للنفس ولو على ذبح الحقيقة.
طول الصمت أثناء الحوار حيث يشير هذا الفعل إلى أن الحوار قد توقف أو انقطع.
التسرع في إصدار الأحكام بسبب الغرور أو الكسل الذهني أو الانفعال النفسي.
غياب الأدلة والبراهين أثناء الحوار.
التفكير السطحي الذي لا يغوص في أعماق المشكلات، ولا يدرك العلاقات بين الأشياء.
الخلط بين الموضوع والشخص فيتحول الحوار إلى هجوم على الأشخاص واتهامهم.
الغضب والانفعال؛ لأن الهدوء يعد من الأمور الضرورية لتحقيق مناخ طبيعي للحوار.
الضوضاء والتشويش في قاعة الحوار أو من قِبَل الأشخاص أو من عوامل خارجية.

إن الحوار الإيجابي المأمول، الذي يجب أن يحرص عليه المتحاورون في جميع مواقف النقاش من أجل مستقبل بلادنا هو الحوار الذي يتوفر فيه ما يلي:
مراعاة كل طرف من أطراف الحوار للمنطق السليم في العرض، ولاستخدام الدليل / الأدلة الداعمة للرأي ، مع تحري الدقة ، والصحة في نقل أي معلومة.
تجنب أية أقوال غامضة أو آراء متعارضة فيما يعرضه أي من طرفي الحوار، والوعي بما يقدم؛ لضمان عدم الاختلاف أو الخلاف، أو إساءة الفهم، أو سريان الغموض، مع تحقيق اليسر والسهولة في التحاور والتفاهم.
الحفاظ على حق كل طرف من أطراف الحوار، وإنصاف من يستحق، بغض النظر عن أية تمييز على أساس الجنس أو اللون أو العقيدة أو البيئة؛ بما يضمن الحماية الكاملة لكل طرف، والمساواة بينهما في كل الفرص المتاحة ، والوقت المخصص .
توفير جو هادئ للتفكير وللحوار، والتركيز على الهدف من الحوار، والسير في فعالياته، دون الحيد أو الخروج عن المسار ؛ للوصول إلى خط النهاية ؛ حيث الاتفاق والرضا.

وللحديث بقية ،،،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى