حوارات و تقارير
حلايب شلاتين أبو رماد: السكان والثقافة والتاريخ.. قراءة من الداخل.
حلايب شلاتين أبو رماد: السكان والثقافة والتاريخ.. قراءة من الداخل.
يعرف الجميع عن المثلث تلك المعلومات التي توفرها لهم مواقع الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي، أو من خلال الرحلات العابرة لفِئام من الناس بدأت تستكشف مثلث حلايب مؤخرًا، الجميع يعرف المساحة الجغرافية للمكان، وبعض معلومات عن سكانه المحليين، وعن تلك المحمية المشهورة داخل أراضيه، غير أن المثلث في وجداننا نحن “أبناء المكان” أشمل وأعمق من مجرد محمية، وأكبر من كونه مساحة تحسب بالكيلو مترات المربعة، فهو بِالنسبةِ لنا التاريخ والحاضر، والهويّة والهَوى.
في أبسط أشكال التعريف: مثلث حلايب من أهم المراكز الثقافية التي حافظ السكان فيها على سيرة حياتهم الأولى دون تغيير يلحظ، تلمس هذا عند زيارتك المكان، طريقة الحياة هنا لها صلة بالتراث، الزي الموحد لغالبية السكان، اللغة التي تتوارثها الأجيال، المشروبات الرسمية والأكلات الشعبية، كل شيء هنا مُتناغِم، إيقاع موسيقي خاص، ومُتَّسِق مع روح المكان، وكأن الناس في هذا الركن من الجنوب الشرقي، أبرمت اتفاقية غير معلنة، لإحياء تراثها في كل تفاصيل حاضرها الذي تعيشه، وهذا من باب محبة الناس لثقافتها حد الولع بها، لغتهم – تراثهم عاداتهم ومعتقداتهم – موسيقاهم – ألعابهم الشعبية – الحكايا القديمة، حتى الأساطير المحفورة في الذاكرة الشعبية، يتوارثها الناس بطريقة ذكية وسلسة، حتى تحول كل هذا إلى أجزاء بارزة من شخصية المكان.
كذلك المهن التي مارسها أجدادهم يرفض السكان هنا التخلي عنها، لا تزال مهنة رعي الإبل والأغنام أوسع المهن انتشارا في هذه البلاد، وتظل صناعة الفحم النباتي من أهم مصادر الحصول على الطاقة بالنسبة لهم في الصحراء، وإلى الآن الأحكام العرفية وتقاليد القبيلة هي المسيطرة على حياة الناس في هذا الجزء، ولهم في ذلك دوائر خاصة، وإدارات أهلية، مهمتها فض النزاعات الداخلية بينهم، كما لهم دستورهم الخاص المتفق عليه بين جملة السكان في هذه البقعة، وهو الذي يحدد مسارات العلاقة بين كافة أفراد المجتمع المحلي، ويعمل أيضا على تنظيم الحياة بين القبائل بما يضمن التعايش السلمي بين كافة سكان الصحراء.
كما توجد لديهم حزمة قوانين مسنونة منذ آلاف السنين يتم تطبيقها حتى وقتنا الحالي، وفيها من الإجراءات العقابية الصارمة ما فيها، وفيها من الثواب أعظمه، ولهم طريقتهم الخاصة في حل القضايا الاجتماعية، وعقد المجالس العرفية، من خلال نظام هرمي يتشكل من زعماء القبائل.
كذلك يعد مثلث حلايب من الكنوز التاريخية والجغرافية والجيولوجية، التي تحتاج إلى أن نكتشفها بطريقة علمية مكثفة وأكاديمية متخصصة، ومعرفة أركيولوجيا المكان واستكشاف آثار كل الذين عبروا من هنا، من أزمنة ما قبل التاريخ مرورًا بعيذاب وتاريخها الحافل، وما كان بين هذا وذاك، وصولًا إلى عصرنا الراهن، وكيف استطاع هؤلاء الحفاظ على طريقتهم الخاصة لمفهوم الحياة كل هذه السنوات.. كل هذا يدعو إلى إعادة ترتيب أوراقنا مرة أخرى والتفاعل مع مثلث حلايب كقيمة مهمة في أقصى البوابة الشرقية بشكلٍ موسع.
دراسة لو تمت بشكلها الصحيح، يمكنها أن تصوب المفاهيم، وتساهم في نشر الوعي، ومن ثم تقودنا إلى توسعة دائرة التعريف والتثقيف بحلايب وسكانها، كما يمكن أن تشكل نواة لفسح المجال، وإعادة تأريخ هذه المنطقة بصورة منهجية شاملة ومتكاملة، تشمل البشر والشجر والحجر، فكل شيء في هذه المنطقة الواعدة يدعو إلى فعل ذلك، فصورة الحياة هنا على فطرتها، والأرض هنا ثرية تستحق أن تخصص لها الدوريات والدراسات، وأن تبسط لها المساحة والحيز في المراكز البحثية، لدراسة هذا المجتمع وكيف نجحت أفكار سكانه في توفير حياة بديلة لأنفسهم داخل الأودية والمناطق الجبلية البعيدة.
يفرض علينا كل هذا ضرورة التنقيب لمعرفة هذا المثلث بشكلٍ أعم، وإلقاء الضوء على تاريخ هذه القبائل وتوثيق لغتها “التبداوييت”، وتدوينها، وأن نحاول معًا منع اندثار هذه التركيبة السكانية، وعدم توريطها وإدخالها إلى مستنقعات “التيه” وفوضى الحداثة، وتبدل الثقافات وسط زحام التمدن وتشوهات التطوير.
والأهم من كل ذلك، حتمية الحفاظ على مثلث حلايب كبيئة طبيعية، لا تكاد تجد لها مثيلا، وضرورة دعم سكان هذه المنطقة، بتوفير المناخ اللازم ومساعدتهم في الحفاظ على طابع حياتهم البدوي، مع تنمية المكان دون المساس بعادات وتقاليد سكانه.
كل ذلك الذي حكيناه وسردناه من أهم الأسباب التي دعتنا إلى إنشاء هذه الصفحة في محاولة منا لتوثيق كل هذا التراث، وفتح نافذة للتعريف بهذا المكان، ولا بد من تضافر الجهود بيننا جميعًا… لأن حلايب تستحق.