الكتابة بالرمال.. عادة بدوية فريدة تعكس ذكاء القبائل العربية
أسماء صبحي – في عمق الصحراء العربية، حيث تمتد الرمال والكثبان بلا نهاية. ابتكرت القبائل العربية طريقة تواصل فريدة تعرف بـ “الكتابة بالرمال”. هذه العادة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي انعكاس للذكاء والمهارة والتكيف مع البيئة الصحراوية القاسية. حيث استطاع البدو على مر القرون تطوير أسلوب يتيح لهم نقل الرسائل والأخبار بسرعة وبدون الحاجة إلى أدوات حديثة.
أصل عادة الكتابة بالرمال
نشأت هذه العادة منذ قرون طويلة، عندما كانت القبائل بحاجة إلى وسائل فعالة للتواصل عبر مسافات شاسعة في الصحراء بعيدًا عن القرى والمدن. واعتمد الأجداد على رسم الرموز والكلمات على الرمال باستخدام العصا أو الأصابع. كطريقة لإبلاغ القبائل الأخرى أو أفراد الجماعة بالمناسبات المهمة، التحذيرات، أو حتى التعبير عن المشاعر مثل الفرح أو الحزن.
هذه الطريقة كانت تعتبر سريعة وذكية، خاصة في بيئة صعبة يصعب فيها استخدام وسائل اتصال أخرى. كما ساعدت القبائل على الحفاظ على الأسرار والمعلومات الحساسة في مواجهة تحديات الطبيعة والصراعات القبلية.
كيفية ممارسة العادة
يبدأ الشخص برسم الرموز أو الكلمات على مساحة مناسبة من الرمال، مع الحرص على اختيار موقع واضح يمر به الشخص المستهدف أو أفراد القبيلة. وغالبًا ما تكون الرسائل قصيرة ومحددة، لكنها واضحة في معناها، ويعتمد قراءها على خبرتهم في فهم الرموز والرسائل الرمزية المتوارثة بين الأجيال.
الرسائل قد تتضمن معلومات عن تجمعات اجتماعية، تحركات الإبل، الاحتفال بالمناسبات، أو تحذيرات من مخاطر قادمة. كما يتم تعليم الأطفال هذه المهارة منذ صغرهم، لتصبح جزءًا من التراث الثقافي والمهارات اليومية للحياة في الصحراء.
القيم الثقافية والاجتماعية للعادة
تعد الكتابة بالرمال أكثر من وسيلة تواصل، فهي تحمل قيمة اجتماعية كبيرة، إذ تعزز التعاون والملاحظة الدقيقة بين أفراد القبيلة، وتعلّم الصبر والدقة. كما تعتبر أداة تربط بين الأجيال، حيث يُعلِّم الكبار الصغار رموزها ومعانيها، وتستمر هذه المهارة كجزء من الهوية القبلية.
وتظهر هذه العادة قدرة القبائل على استغلال البيئة المحيطة بذكاء، واستخدام الموارد الطبيعية المتاحة لإيصال الرسائل بطريقة فعالة وآمنة. وهو ما يعكس مزيجًا بين البراعة العملية والحفاظ على التراث الثقافي.
وقال الدكتور محمد العجمي، أستاذ الأنثروبولوجيا الاجتماعية، إن الكتابة بالرمال ليست مجرد تقليد بدوي قديم، بل هي مثال حي على قدرة الإنسان على التكيف مع بيئته. وهذه العادة تعلم الصبر، الملاحظة الدقيقة، وفن التواصل غير المباشر. وتظل واحدة من أكثر الوسائل الثقافية التي تعكس مهارة القبائل في نقل المعرفة والخبرات بين الأجيال.



