عادات و تقاليد

الختان الجبلي.. الطقس الذي يصنع الرجولة لدى قبائل الخوسا في جنوب أفريقيا

أسماء صبحي – تعد عادة الختان الجبلي واحدة من أبرز وأشد العادات قدسية لدى قبائل الخوسا المنتشرة في جنوب أفريقيا. وهي قبائل تمتلك تاريخًا عريقًا وثقافة غنية بالطقوس الروحية والاجتماعية. ويمارس أفراد الخوسا هذا الطقس منذ مئات السنين بوصفه الطريق الرسمي الذي يعبر من خلاله الفتى من مرحلة الطفولة إلى عالم الرجولة. ولا يزال ينظر إليه باحترام شديد حتى اليوم رغم الجدل الواسع حوله في المجتمع الحديث.

بداية رحلة الختان الجبلي 

يبدأ الطقس عندما يقرر الفتى، غالبًا في عمر المراهقة المتأخرة، أنه جاهز للانتقال إلى مرحلة الرجولة. حينها يبلغ أسرته وشيوخ القبيلة بنيته، ويعد هذا القرار بمثابة إعلان شجاعة، لأن المرحلة المقبلة ليست سهلة على الإطلاق.

وتقام ليلة خاصة داخل الأسرة تعرف بالتوديع الرمزي، حيث يتم تذكير الفتى بمسؤوليات الرجل في القبيلة: حماية الأسرة، احترام كبار السن، والالتزام بالقيم الأخلاقية.

الانعزال في الجبل

في صباح اليوم التالي، يصعد الفتى بصحبة مجموعة من الشيوخ ورجال القبيلة إلى منطقة جبلية معزولة تم اختيارها بعناية. ويعد هذا المكان مقدسًا، ويعتقد أنه يمنح القوة والطهارة. ويمنع الفتى من التواصل مع أسرته أو العودة إلى القرية خلال فترة الطقس التي قد تمتد لأسابيع. ويرتدي الفتى غطاءً تقليديًا من القماش الأبيض، يعرف في ثقافة الخوسا بأنه رمز الصفاء واستعداد الروح للتغيير.

اللحظة الأشد قسوة

يتم تنفيذ عملية الختان باستخدام وسائل تقليدية، ويشرف عليها المعالج القبلي الذي يمتلك خبرة طويلة. وتعد هذه اللحظة اختبارًا للقدرة على تحمل الألم، ويعلم الفتى منذ صغره أن الشكوى أو الصراخ علامة ضعف لا تليق بالرجال.

بعد الختان، يتم تغطية جرحه بعجينة مصنوعة من الطين الأبيض والأعشاب الطبية، ويترك بعدها ليستريح في كوخ صغير يُبنى خصيصًا لهذه المرحلة.

مرحلة التعليم والتأهيل

لا يتوقف الطقس عند الختان فقط، فالفترة التي يقضيها الفتى في الجبل تُعد مدرسة لتعليم الرجال. ويتلقى خلال هذه الأيام دروسًا مكثفة من كبار السن حول:

  • معنى المسؤولية العائلية.
  • احترام المرأة.
  • كيفية التعامل مع الأزمات.
  • قواعد السلوك داخل القبيلة.
  • أهمية الصدق والشجاعة وضبط النفس.

هذه الفترة هي جوهر الطقس، لأنها تشكل شخصية الفتى وتعده لعبء الحياة الاجتماعية.

العودة إلى القرية

عند اكتمال مرحلة العلاج والتعليم، تعود المجموعة إلى القرية في موكب احتفالي. ويستقبل الفتى كـ«رجل كامل» لأول مرة. وتقام الاحتفالات التي تشمل الرقص والغناء وتقديم الطعام، بينما يتم طلاء وجه الفتى بالطين الأبيض للمرة الأخيرة، رمزًا لاكتمال التطهير الروحي والجسدي.

بعد ذلك يسمح له بالجلوس مع رجال القبيلة في الاجتماعات الكبرى، ويعامل من تلك اللحظة كعضو بالغ قادر على اتخاذ القرارات.

الجدل الصحي والاجتماعي

ورغم أن عادة الختان الجبلي جزء لا يتجزأ من هوية قبائل الخوسا، فإنها تثير جدلاً واسعًا في العصر الحديث. ففي بعض الأحيان، قد يواجه الفتى مخاطر صحية بسبب الأدوات التقليدية أو قلة العناية الطبية، مما أدى إلى دعوات حكومية للرقابة وتنظيم الطقس.

غير أن شيوخ القبيلة يرون أن أي تغيير في طبيعة الطقس يهدد روحه ومعناه، معتبرين أن الحد من الطقس هو محاولة لطمس الثقافة الأصلية.

ويقول الباحث في التراث الأفريقي، الدكتور أكرم شفيق، إن عادة الختان الجبلي لدى الخوسا ليست مجرد إجراء طبي، بل هي رحلة روحية وثقافية تُبنى عليها شخصية الرجل داخل القبيلة. فهم هذه الطقوس يبقى ضروريًا قبل الحكم عليها، لأن قيمتها بالنسبة لهم تتجاوز كل ما يمكن أن يراه العالم الخارجي.

ويضيف الدكتور أن الطقس يمثل مصدر فخر، لأنه يحافظ على تماسك القبيلة وهويتها في وجه التغيرات الاجتماعية السريعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى