عيد تحرير سيناء.. ملحمة بين النصر العسكري والنضال الدبلوماسي
أسماء صبحي – في الخامس والعشرين من أبريل من كل عام، تحيي جمهورية مصر العربية ذكرى وطنية خالدة تجسد مرحلة مفصلية من تاريخها المعاصر، وهي عيد تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي. فهذا اليوم ليس مجرد مناسبة رسمية، بل هو رمز لانتصار الإرادة المصرية التي خاضت طريقًا طويلًا ومريرًا. مزجت فيه بين صلابة المعركة العسكرية ودهاء الدبلوماسية الهادئة من أجل استعادة كل شبر من التراب الوطني الذي سلب عقب نكسة يونيو 1967.
ولا يقتصر هذا اليوم على تخليد ذكرى انسحاب آخر جندي إسرائيلي من سيناء في عام 1982. بل يروي قصة ملحمة وطنية كاملة بدأت بمرحلة حرب الاستنزاف، وبلغت ذروتها في نصر السادس من أكتوبر عام 1973. قبل أن تنتقل إلى مضمار التفاوض السياسي والقانوني الذي توج بعودة طابا إلى السيادة المصرية في عام 1989.
مراحل استعادة سيناء
تحرير سيناء لم يكن حدثًا لحظيًّا، بل عملية معقدة متعددة المراحل امتدت لسنوات. وتم تقسيمها إلى أربع محطات رئيسية:
- المرحلة الأولى (1973): أعقبت انتصار أكتوبر، حيث استعادت مصر نحو 8,000 كيلومتر مربع من سيناء. كما شملت مناطق حيوية كمضائق متلا والجدي وحقول البترول الهامة.
- المرحلة الثانية: تضمنت تحرير 32,000 كيلومتر مربع إضافية. ما يمثل نحو ثلثي المساحة الكلية لسيناء، وجاءت نتيجة لاتفاقيات فك الاشتباك بعد الحرب.
- المرحلة الثالثة (1982): كانت بمثابة تتويج لمجمل النضال. حيث اكتمل الانسحاب الإسرائيلي من سيناء باستثناء منطقة طابا.
- المرحلة الرابعة (1989): حسم مصير طابا عبر التحكيم الدولي الذي أقر بحق مصر الكامل في استعادتها. وهو ما تحقق رسميًا في مارس من ذلك العام ليغلق بذلك ملف الاحتلال الإسرائيلي بالكامل.
عيد تحرير سيناء
تعد شبه جزيرة سيناء، التي تقع في الركن الشمالي الشرقي من أرض مصر، بوابة الربط بين قارتي آسيا وأفريقيا. وتتميز بموقع جغرافي بالغ الأهمية. كما تمتد على مساحة تقارب 61,000 كيلومتر مربع. أي ما يعادل نحو 6% من إجمالي مساحة الدولة المصرية.
وتطل سيناء على البحر المتوسط شمالًا، وعلى البحر الأحمر جنوبًا. ما يمنحها أهمية استراتيجية واقتصادية وسياحية هائلة. كما تزخر أرضها بثروات طبيعية متعددة، من بينها الفوسفات، البترول، النحاس. بالإضافة إلى امتلاكها لمواقع دينية وسياحية نادرة في نوعها وأهميتها سواء في جنوبها أو شمالها.
ورغم هذا الزخم في الموارد، لا تزال الكثافة السكانية في سيناء محدودة. حيث يقدر عدد سكانها بحوالي 700 ألف نسمة فقط، وهو ما يمثل أقل من 1% من إجمالي سكان مصر، مما يجعل التنمية فيها هدفًا وطنيًا مستمرًا.
6 أكتوبر 1973
في السادس من أكتوبر عام 1973، انطلقت شرارة التحرير الحقيقي عندما شن الجيش المصري بالتعاون مع القوات السورية هجومًا مباغتًا على القوات الإسرائيلية المحتلة. وتميز هذا الهجوم بتحقيق عنصر المفاجأة الاستراتيجية. حيث نجحت القوات المصرية في عبور قناة السويس، وتدمير تحصينات خط بارليف الحصين.
لكن إسرائيل سرعان ما شنت هجومًا معاكسًا أدى إلى حدوث “ثغرة الدفرسوار”، وهي خرق عسكري محدود غرب القناة. ورغم هذه الثغرة، حافظ الجيش المصري على تماسكه وصموده. ما أدى إلى التوصل لوقف إطلاق النار في 21 أكتوبر. قبل أن تبدأ مصر مرحلة جديدة من النضال السياسي عبر اتفاقية فك الاشتباك في عام 1974. والتي مهدت لاحقًا لمفاوضات كامب ديفيد وتوقيع اتفاقية السلام في 1978.
أنور السادات: مهندس النصر والسلام
تحمل شخصية الرئيس الراحل أنور السادات مكانة استثنائية في سجل التاريخ المصري. حيث قاد حرب أكتوبر ببصيرة القائد ورؤية رجل الدولة. وبعد الانتصار، لم يكتفِ بالنتائج العسكرية، بل قرر أن يخوض معركة من نوع آخر عبر ميدان السياسة والدبلوماسية لاستكمال تحرير الأرض.
ورغم استشهاده قبل أن يشهد احتفال مصر الأول بتحرير سيناء. فإن السادات كان هو من وضع الأسس المتينة التي أدّت إلى هذا الإنجاز. وكان توقيعه لاتفاقية السلام في العاصمة الأمريكية واشنطن مع إسرائيل لحظة فارقة جسدت شجاعته الاستراتيجية وحرصه على حقن دماء المصريين.
نتائج عيد تحرير سيناء
جاء تحرير سيناء ليمنح مصر دفعة معنوية وعسكرية كبرى، ويعيد للجيش المصري هيبته أمام العالم. ويثبت أن القوة المشروعة والقرار الوطني قادران على استرجاع الحقوق. كما أدى هذا النصر إلى تغيير كبير في موازين القوى الإقليمية، وأعاد لمصر دورها الريادي في العالم العربي.
وقد ساهم تحرير سيناء في خلق واقع جديد من الاستقرار النسبي في المنطقة. ومهد الطريق أمام مخططات تنموية تهدف إلى إعمار سيناء رغم التحديات الأمنية والاقتصادية القائمة.
ويظل يوم 25 أبريل يومًا وطنيًا بامتياز، تتوقف فيه عجلة العمل الرسمية. لكنه يحمل في مضمونه رسالة تتجاوز الطقوس الاحتفالية، فهو درس متجدد في التضحية والوحدة الوطنية والتمسك بالحق. وتقام بهذه المناسبة فعاليات متعددة، رسمية وشعبية، لتذكير الأجيال المتعاقبة بعظمة هذا الإنجاز وقدسية الأرض المصرية.



