تاريخ ومزارات

الطربوش في مصر من رمز عثماني إلى أثر تاريخي يروي حكاية وطن

في بدايات القرن التاسع عشر، وتحديدًا عام 1805، دخل الطربوش إلى مصر ليصبح أكثر من مجرد غطاء للرأس، بل علامة على هوية اجتماعية وسياسية ارتبطت بمراحل بناء الدولة الحديثة، وجاء هذا الغطاء من التقاليد العثمانية وكان يعرف باسم الفيس، وانتقل إلى مصر مع محمد علي باشا الذي أراد أن يعزز روابطه مع الدولة العثمانية بينما يضع أسس استقلاله الإداري والاقتصادي.

قبل عصر محمد علي كانت مصر تستورد الطرابيش من الخارج، لكن مشروعه الصناعي الضخم شمل إنشاء مصنع متخصص في مدينة الفوة بمحافظة كفر الشيخ، لتبدأ صناعة محلية متقنة اعتمدت على الصوف الناعم وخوص النخيل والجلد اللامع والزر الحريري الذي يزين قمته، وبذلك أصبح الطربوش منتجًا مصريًا أصيلًا يجمع بين الفخامة والرمز الوطني.

تطور شكل الطربوش مع الزمن

خلال عهد محمد علي بين عامي 1805 و1848 كان الطربوش قصيرًا ومستديرًا يتناسب مع الطابع العسكري للدولة الناشئة، بينما أصبح أكثر أناقة في زمن الوالي سعيد (1854-1863) تماشيًا مع روح الإصلاح، ثم جاء الخديوي إسماعيل (1863-1879) ليجعله رمزًا للأناقة والرسمية، فصار إلزاميًا على موظفي الحكومة والطلاب والعسكريين وأصبح مقياسًا للانتماء الاجتماعي وذوق الأفندية والعلماء.

الطربوش كرمز وطني في زمن الاحتلال

مع دخول الاحتلال البريطاني عام 1882 اكتسب بعدًا وطنيًا جديدًا، إذ تحوّل إلى وسيلة مقاومة ثقافية ضد فرض القبعة الغربية التي اعتبرها المصريون رمزًا للخضوع، فكان ارتداؤه في الشوارع والمظاهرات إعلانًا صامتًا للهوية الوطنية وإصرارًا على الحفاظ على الطابع الشرقي الأصيل.

من القصور الملكية إلى القرارات الرسمية

في عهد الملك فاروق (1936-1952) ظل الطربوش جزءًا من الزي الرسمي في المناسبات الملكية والاحتفالات العامة، محتفظًا بمكانته بين طبقات المجتمع كافة، لكنه بدأ يتراجع مع صدور قرار عام 1939 بإلغائه في الجيش وقصر استخدامه على الحفلات الرسمية فقط، في انعكاس واضح لتأثير الثقافة الغربية والسعي لتحديث الزي الرسمي.

الطربوش بعد ثورة يوليو

جاءت ثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الضباط الأحرار لتعلن نهاية عصر الطربوش كرمز رسمي، إذ رأى الرئيس جمال عبد الناصر في التخلي عنه خطوة نحو التحرر من رموز الملكية والطبقية والعودة إلى البساطة الشعبية، فتحول الطربوش إلى قطعة من الماضي يعرضها التاريخ في المتاحف ويراها الناس في الأفلام والمسلسلات التي تجسد حقب محمد علي والخديوي إسماعيل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى