تاريخ ومزارات

تيمور لنك.. الفاتح الذي أرعب الممالك وغيّر وجه آسيا

تيمور لنك ، في خضم الفوضى السياسية التي اجتاحت آسيا الوسطى بعد سقوط إمبراطورية المغول، بزغ نجم رجل سيصبح أحد أكثر القادة رهبة في التاريخ إنه تيمور بن طرغاي البرلاس، الذي ولد عام 736 هـ / 1336 م في مدينة كِش، المعروفة اليوم بشهر سبز جنوب سمرقند، من قبيلة البرلاس التركية المغولية التي عرفت بقوة فرسانها وبأسها في الحروب، كما نشأ تيمور في بيئة قاسية، امتلأت بالصراع بين القبائل الرحل، فتعلم منذ صغره فنون القتال والفروسية والرماية والصيد، وصار يجيد إدارة الحروب كمن ولد ليقود.

تيمور لنك

مع مرور السنوات، ومع تفكك دولة الإيلخانات في فارس بعد وفاة الأمير قازغان سنة 758 هـ / 1357 م، بدأ تيمور مشواره العسكري متحالفًا مع أمراء محليين قبل أن ينقلب عليهم ويستولي على نفوذهم تحالف مع صهره حسين بن قازغان، وفي إحدى المعارك في سيستان عام 764 هـ / 1363 م أصيب بجروح خطيرة في يده اليمنى وساقه، فأصبح أعرجًا عُرف بعدها بلقب تيمور لنك أي تيمور الأعرج

صعود الإمبراطورية من قلب سمرقند

بعد سنوات من الصراع، تمكن تيمور من توحيد القبائل الجغتائية تحت لوائه، وأعلن نفسه أميرًا على سمرقند عام 771 هـ / 1370 م، مدعيًا أنه يواصل إرث الدولة الجغتائية المنبثقة من سلالة جنكيز خان من سمرقند، انطلقت حملاته الدموية التي غيرت خريطة العالم الإسلامي، متذرعًا بالرغبة في إحياء المجد المغولي

بدأ تيمور لنك بغزو خوارزم سنة 781 هـ / 1379 م، فدمر مدينة أورگنج بالكامل، ثم توجه إلى خراسان ومازندران وأذربيجان، وامتدت فتوحاته حتى فارس عام 787 هـ / 1385 م، واعتمد سياسة الرعب، فكان يبني أهرامات من الجماجم بعد كل انتصار لترهيب خصومه، تاركًا وراءه أنهارًا من الدماء ومدنًا خاوية

الدم والنار طريقه إلى المجد

عام 793 هـ / 1391 م، سحق تيمور ثورة في خوارزم بعد أن أعاد تدميرها، ثم أطلق حملة جديدة في بلاد فارس والعراق ما بين 794 و798 هـ / 1392-1395 م، فاستولى على بغداد مؤقتًا وهدد المماليك في الشام، لم يكتفي بذلك، بل اتجه شمالًا إلى روسيا الجنوبية سنة 797 هـ / 1395 م، فدمر عاصمة القبيلة الذهبية ساراي وأخضع أراضيها

وفي عام 799 هـ / 1398 م، وجه تيمور لنك نظره نحو الهند، فاجتاح سلطنة دلهي بقيادة ناصر الدين محمود تغلق في معركة دامية انتهت بانتصاره الساحق ونهب العاصمة وتدميرها، ليعود بعدها إلى سمرقند محملًا بالغنائم التي استخدمها في بناء مسجد بيبي خانم، أحد أعظم معالم مدينته

دمشق تحترق ومعركة أنقرة تخلد اسمه

بلغت فتوحات تيمور ذروتها في حملته الشهيرة المعروفة بـ”السنوات السبع” بين 803 و807 هـ / 1400-1404 م، ففي عام 803 هـ / 1401 م، اجتاح الشام فأسقط حلب بعد ثلاثة أيام، ثم دمر حماة وحمص، وحاصر دمشق حتى استسلمت بعد مقاومة شرسة أمر بإحراقها ونهبها، ونقل علماؤها وحرفييها إلى سمرقند لتزدهر بهم حضارته

بعدها تقدم نحو الأناضول لمواجهة السلطان العثماني بايزيد الأول، ووقعت معركة أنقرة الفاصلة عام 804 هـ / 1402 م، التي انتهت بانتصار ساحق لتيمور وأسر بايزيد الذي مات في أسره بعد عام واحد هذا الانتصار تسبب في انهيار مؤقت للدولة العثمانية وأحدث صدمة كبرى في العالم الإسلامي

الرحلة الأخيرة ونهاية الإمبراطور الحديدي

عاد تيمور إلى سمرقند عام 805 هـ / 1403 م مزهوًا بانتصاراته، وبدأ التحضير لغزو الصين ضد أسرة مينغ عام 806 هـ / 1404 م، لكنه لم يحقق حلمه الأخير، إذ أصيب بالحمى في منطقة أترار ومات في السابع عشر من شعبان عام 806 هـ الموافق 18 فبراير 1405 م عن عمر ناهز 68 عامًا، دفن في ضريحه الشهير غور أمير في سمرقند، حيث لا يزال ينظر إليه كرمز للقوة المطلقة والطموح الذي لا يعرف حدودًا.

إرث الدم والحديد

ترك تيمور لنك وراءه إمبراطورية هائلة تمتد من دلهي شرقًا إلى دمشق غربًا، ومن بحر آرال إلى الخليج العربي جنوبًا، لكنها لم تدم طويلًا، إذ انهارت بعد وفاته بسبب الصراعات بين أبنائه وأحفاده، وظل تأثيره حاضرًا في التاريخ الإسلامي والآسيوي، فأسس أحفاده الدولة التيمورية التي ازدهرت ثقافيًا وفنيًا في هرات وسمرقند، لتصبح مهدًا لنهضة فنية ومعمارية ألهمت العصور اللاحقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى