المزيدكتابنا
أخر الأخبار

المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب: الطلاق الشفهي خطر يهدد أمن المجتمع

المفكر العربي علي محمد الشرفاء الحمادي يكتب: الطلاق الشفهي خطر يهدد أمن المجتمع

ما تتعرض له مجتمعاتنا العربية والإسلامية اليوم من تفكك وتشرد وضياع للقيـم، إنما هو نتيجة مباشرة لما يسمـى بـ «الطلاق الشفهي» تلك الكلمة التي تخرج في لحظة غضب وتدمر بها أسرة بأكملها، وتشرد الأطفال، وتهدم المودة والرحمة التي جعلها الله أساسا للعلاقة الزوجية.

إنه عبث بسلطان الله الذي أنزل تشريعه المحكم في كتابه الكريم، وتركه الناس وراءهم ظهرا، وركنوا إلى فتاوى بشرية منقولة عن روايات لم يأذن بها الله فكانت النتيجة كوارث اجتماعية تهدد أمن الأسرة واستقرار المجتمع.

لقد أنزل الله كتابه الكريم ليكون الضمانة الحقيقية للعلاقة الزوجية من بدايتها إلى نهايتها، فجعل الزواج ميثاقا غليظا يقوم على السكن والمودة والرحمة، وجعل الطلاق تشريعا إلهيا منضبطا لا يتم إلا وفق أحكام محددة في القرآن الكريم.

ولكن الذين اعتمدوا على الموروث الروائي، وجعلوا منه مصدرا للتشريع دون الرجوع إلى كتاب الله قد ضربوا عرض الحائط بما أنزل الله من آياتِ محكمات تضبط العلاقة بين الزوجين. فجعلوا من كلمة تقال في لحظة الفعال حكما نافذا بالطلاق، متجاهلين تشريع الله القائم على الحكمة والتدرج والتروي.

.

يقول الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلَقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ الطلاق | فالطلاق في التشريع الإلهي لا يكون إلا بعد عزم ونية ومدة للتدير والمراجعة، إذ يقول الله تعالى: وَلَعَلَّ اللهُ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق: 1).

أي أن الله جعل للإنسان مهلة من الزمن ليراجع نفسه، ويعيد التفكير في قراره، فلا يخرج زوجته من بيتها أثناء العدة، لعل الله يحدث تألفًا وعودة واستقرارا للأسرة.

 

لقد أراد الله سبحانه أن تكون العدة مرحلة تأمل ومراجعة، وليست ساحة للعقاب أو الانتقام، بل فسحة رحمة قد تعيد الأمور إلى مجراها الطبيعي.

فإن أصر الطرفان على الانفصال، فذلك لا يكون إلا باتفاق بينهما وبرضا النفس، لقوله تعالى: (فإن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهُ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتَدَتْ به [البقرة: 1229 ]. فما أبلغ هذا التشريع في تحقيق العدل والمساواة بين الزوجين، إذ لا يملك أحدهما الانفراد بقرار يهدم أسرة ويشرد أطفالاً. أما الذين جعلوا من الطلاق الشفهي وسيلة سهلة للانفصال، فقد خالفوا صريح القرآن، وضربوا مقاصده في حفظ الأسرة والأبناء، إذ يقول الله تعالى: وَالطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكَ بِمَعْرُوفِ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسانٍ) [البقرة: 229] فجعل الله الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، لا الإهانة ولا العدوان ولا اللفظ العابر في لحظة انفعال أو جدال.

.

لقد كانت النتائج المأساوية للطلاق الشفهي في مجتمعاتنا العربية سببًا في ضياع الأبناء، أو تشريد الأسر، وانتشار الأمراض النفسية، وانهيار القيـم الاجتماعية. وما زالت القواعد البشرية التي وضعت في عصور غابرة تطبق رغم تعارضها الصارخ مع تشريع القرآن الكريم ومقاصده العليا في حماية كيان الأسرة، وصيانة كرامة المرأة وحماية الطفل من الضياع.

كما إن الله سبحانه قد حرص في تشريعه على حماية الأسرة، لأنها اللبنة الأساسية في بناء المجتمع الإنساني، ولأنها موضع التربية والأمان والسكينة. وقد قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَهُ [الروم: 121 فكيف تهدم هذه المودة والرحمة بكلمة غاضبة لم يشهدها أحد، ولا توثيق فيها ولا عدل ؟!

إن الطلاق الشفهي جريمة في حق التشريع الإلهي ، لأنه تجاوز الحدود الله واتباع الروايات بشرية لا أصل لها في كتاب الله، واعتداء على مقاصد الرحمة التي أرادها الله لعباده. فالتشريع الإلهي جعل الزواج ميثاقاً مقدما لا ينقض إلا بالحق والعدل والإحسان، لا بالظلم ولا بالجهل ولا بالغضب ولذلك أقول: إن الذين اعتمدوا الروايات البشرية في مسائل الزواج والطلاق واستبعدوا آيات القرآن الكريم، قد تسببوا في تدمير الأسرة الإسلامية، لأنهم تجاهلوا شرع الله الذي يقوم على الرحمة والعدل والمساواة وابتدعوا أحكامًا لا أصل لها في كتاب الله..

.

إن العودة إلى التشريع القرآني هي وحدها التي تضمن للأسرة استقرارها، وللمجتمع أمنه، وللأمة صلاحها. فالله سبحانه يقول: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنْ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا اطه 1124 ومن أعرض عن كتاب الله واتبع أهواء البشر، فقد حرم نور الهداية، ووقع في ظلمات الجهل والفرقة.

لذلك فإن واجب الأمة اليوم أن تعود إلى كتاب الله، وتجعل القرآن المرجعية الوحيدة للتشريع وأن تبطل كل ما يخالفه من فتاوى وأقوال منقولة عن بشر، لا سلطان لهم على دين الله.

فالطلاق الشفهي ليس من الإسلام في شيء، لأنه يهدم ما أمر الله ببنائه، ويزرع الكراهية بدل المودة، والضياع بدل الرحمة. والحق أن من أراد أن يطبق شرع الله فعليه أن يرجع إلى القرآن الكريم وحده، فهو الذي قال فيه سبحانه: وَتِلْكَ آيَاتُ الله تَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهُ وآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ [الجالية: 6]

إنني أدعو الناس جميعًا إلى تدبر آيات الله والتمسك بحكمته وعدله ، والابتعاد عن الفتاوى التي فرقت الأمة وشتت الأسر، فالقرآن هو المنهج الإلهي الذي يعيد للإنسان توازنه، وللأسرة كرامتها، وللمجتمع أمنه وسلامه. فمن اتبع هدى الله عاش سعيدا في الدنيا، وأمنا في الآخرة، ومن أعرض عن هداه عاش في شقاء وضلال حتى يوم الحساب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى