أكتوبر 73.. إرادة أمة تفرض المعادلة وتكسر أهداف العدو

أسماء صبحي– في خضم احتفالات مصر بذكرى نصر أكتوبر الـ52، تتجدد الذكرى وتستحضر دروساً وبطولات صاغت هوية الوطن العسكرية. حرب أكتوبر 73 ليست صفحة تاريخية عابرة بل مدرسة متكاملة في الصمود والتخطيط والتضحية فتحولت من هزيمة موجعة إلى انتصار ملحمي عادت به أرض سيناء إلى حضن الوطن وخلدت اسم الجيش والشعب في سجل العزة.
ثنائية صنعت انتصار أكتوبر 73
يؤكد الخبير الاستراتيجي اللواء الدكتور محمد الغباري ،أن نصر أكتوبر كان ثمرة تضافر إرادة الشعب مع تضحيات الجيش. لم يكن الانتصار مجرد عملية عسكرية، بل حكاية عائلات قدمت فلذات أكبادها وصمود مواطنين من كل محافظات مصر وتكاتف كل مؤسسات الدولة. هذه الوحدة الوطنية أعطت القوات المسلحة القوة المعنوية اللازمة لتحويل التخطيط الدقيق إلى واقع ميداني وفرض إرادة الدولة على ساحة القتال.
خلفية التخطيط
يوضح اللواء الغباري أن الاستراتيجية التي مهدت لنصر أكتوبر لم تبنى بين ليلة وضحاها..بل استلزمت سنوات من التخطيط العلمي، عمليات استخباراتية، تأهيل لوجيستي وتوعوية شعبية، وتحركات عسكرية مدروسة تهدف إلى تضليل العدو وإخفاء نية الهجوم. ومكنت هذه الإجراءات الممنهجة القيادة من سد الفجوة في القدرات والعتاد وتحويل نقاط الضعف المحتملة إلى عناصر قوة حاسمة.
الخداع الاستراتيجي
وصف اللواء الغباري خطة الخداع بأنها من أعظم خطط الخداع في التاريخ الحديث، لأنها نجحت في إرباك مخابرات العالم أجمع. وارتكزت الخطة على جعل تحركات التجهيز تبدو اعتيادية مع رفع مستوى الجاهزية لدى القوات دون إثارة الشكوك. وتأجيل قرار التعبئة العامة لدى القيادة الإسرائيلية بمدة حرجة (6-12 ساعة) سمحت للقوات المصرية بعبور القناة واقتحام خط بارليف قبل أن تتهيأ مواقع العدو دفاعيًا. وشملت العملية تغيير أحجام الوحدات، تنفيذ تدريبات سنوية تغطيها ذريعة “المشروع السنوي الاستراتيجي”، ونقل معدات العبور ليلاً من العمق إلى الجبهة.
الإعلام والتوعية
كان للإعلام دور محوري في تهيئة الرأي العام وبث روح الصمود..فبعد تجربة 1967 تغير نهج الإعلام ليصبح منبراً لنقل الحقائق ودعم الجبهة بما عزز ثقة المواطنين في مساندة قواتهم. كما لعبت الوعى الديني والاجتماعي دورًا في تكريس فكرة استرداد الأرض كواجب شرعي ووطني. مما أضفى بعدًا معنويًا على الجهد الحربي وجعل التضحية مقبولة ومكرّمة.
يرى الغباري أن الحرب أداة من أدوات السياسة تلجأ إليها عند فشل الوسائل السلمية. وأن الهدف الأساسي دائماً يكمن في فرض الإرادة وتحقيق المصلحة القومية. وفي نهاية المطاف نجحت مصر في كسر إرادة العدو وإجباره على الانسحاب الكامل من سيناء محققة بذلك غايتها السياسية والعسكرية معًا.
إعجاز عسكري
وصف العالم حرب أكتوبر بأنها “إعجاز عسكري” ليس مبالغة. فمواجهة خط دفاعي مركب يتضمن قناة مائية بعرض يزيد عن 100 متر وساتر ترابي عالي اعد بدقة مع ألغام وموانع صناعية ودشم ونقاط نيران وصواريخ ومدفعية كانت مهمة تبدو مستحيلة. لكن التخطيط العلمي والتكتيكات المبتكرة والتنسيق بين القوات مهدت لاختراق هذا المانع وتحقيق اختراق نوعي أعاد للأمة جزءًا من كبريائها.



