القرامطة وسرقة الحجر الأسود… الجريمة التي هزّت قلب الإسلام

في سنة 317هـ / 929م، كانت مكة المكرمة تعيش أيام الحج، تضج بالوفود القادمة من كل صوب، ترتفع أصوات الحجيج بالتلبية، وتختلط دموع الخشوع بنور الطواف حول الكعبة المشرفة لحظات إيمانية عظيمة، لكن خلفها كان يتربص شر لم يعرف له التاريخ مثيلًا.
من هجر عاصمة القرامطة في البحرين، خرج زعيمهم أبو طاهر الجنابي القرمطي على رأس جيشٍ متعطش للدماء، يرفع شعارًا كاذبًا يخفي وراءه زندقة وعداءً للإسلام، كان هدفه الأكبر هو هدم قدسية الشعائر وتدنيس البيت الحرام.
المجزرة في الحرم
دخل القرامطة مكة يوم التروية، فاقتحموا الحرم وضربوا رقاب الحجيج بوحشية، حتى تحولت الكعبة إلى ساحة دماء، تكدست جثث المسلمين في بئر زمزم، فيما تُركت أجساد أخرى معلقة على أستار الكعبة، لم يرحموا كبيرًا ولا صغيرًا، وكانت مأساة لم يعرف لها الزمان مثيلًا في حرمة الله الآمنة.
اقتلاع الحجر الأسود
في مشهد يتجمد له القلب، وقف أبو طاهر القرمطي عند باب الكعبة يصرخ متحديًا:
“أنا بالله وبالله أنا… يخلق الخلق وأفنيهم أنا!”
ثم أمر جنوده بانتزاع الحجر الأسود، الحجر الذي قبّله النبي ﷺ والذي هو من الجنة. اقتلعوه من مكانه بالقوة وحملوه بعيدًا على جمالهم إلى البحرين، ليعرضوه في سوق هَجَر كأنّه غنيمة دنيوية.
ظل الحجر مفقودًا 22 عامًا، يطوف الحجاج حول البيت ناقصًا، يعيشون ألمًا لا يضاهيه ألم، فيما القرامطة كانوا يتباهون بجريمتهم وكأنهم قهروا الإسلام بأسره.
نهاية أبو طاهر.. عدالة السماء
لكن الله لا يترك بيته الحرام دون نصرة، فقد بدأت الأمراض الغامضة تنهش جسد أبي طاهر، حتى قيل إن لحمه تساقط قطعةً قطعة وهو حي، يصرخ من الألم ويستغيث بلا جدوى:
“دعوني… دعوني!”
مات سنة 332هـ شرّ ميتة، معذبًا مطاردًا بالوجع، ليكون عبرة للتاريخ، وبعد موته ضعفت شوكة القرامطة، واضطروا تحت الضغوط المتزايدة لإعادة الحجر الأسود إلى مكانه سنة 339هـ / 951م، ليعود إلى ركن الكعبة كما كان، شاهدًا خالدًا على أن الله يحفظ بيته من كيد الكافرين.
العبرة من الحادثة
ما فعله القرامطة لم يكن مجرد سرقة، بل كان جريمة عقائدية تستهدف قدسية الإسلام في أعظم شعائره، ومع ذلك بقي البيت قائمًا، والحجر عاد، والقرامطة زالوا، لتبقى الرسالة واضحة: الله حافظ بيته مهما تعاظم كيد الطغاة والزنادقة.



