مرأه بدوية

عادة الوشوم التقليدية عند نساء الأمازيغ.. إرث ثقافي يواجه الاندثار

أسماء صبحي – عمق المجتمعات الأمازيغية في شمال أفريقيا منذ عصور ما قبل الإسلام. كانت عادة الوشوم التقليدية التي تعرف بين النساء باسم “تيكاراض” جزءًا محوريًا من الطقوس الاجتماعية والتعبير الثقافي. هذه العلامات المرسومة بدقة على الوجه وأحيانًا الأطراف لم تكن مجرد زينة. بل حملت معاني رمزية مرتبطة بالجمال، الخصوبة، الحماية، والانتماء القبلي.

أصول عادة الوشوم التقليدية

ترجع جذور هذه العادة إلى ما قبل التاريخ حيث يرى الباحثون أن الرموز الجمالية للوشم تطورت من النقوش البدائية التي ظهرت على الفخار والصخور في شمال أفريقيا خلال العصر الحجري الحديث. ومع مرور الزمن تحولت هذه الرموز من كونها أشكالًا فنية إلى علامات تحمل دلالات اجتماعية وروحية تنقش على جسد المرأة الأمازيغية لترافقها مدى الحياة.

الوظائف الاجتماعية والثقافية للوشم

رمز للهوية والانتماء القبلي

كل قبيلة أمازيغية كانت تتميز برموز محددة مثل المثلثات أو الخطوط أو النجوم، حيث كان من السهل التعرف على انتماء المرأة من خلال وشومها. وكان هذا بمثابة بطاقة هوية بصرية تحمل داخلها تاريخ القبيلة وموروثها.

طابع جمالي وإنثوي

نظر المجتمع إلى الوشوم باعتبارها زينة طبيعية تضفي على المرأة جمالًا خاصًا وهيبة اجتماعية. بل إن بعض الأمهات كن يشجعن بناتهن على وضع الوشوم في سن مبكرة لتأكيد أنوثتهن ولزيادة جاذبيتهن في أعين الخطاب.

رمز الخصوبة والحماية

بعض الوشوم، مثل النقش أسفل الذقن المعروف باسم “السيالة” ارتبطت بالخصوبة وحماية المرأة من الأرواح الشريرة أو الحسد. وكانت رموز العين والماس ترسم خصيصًا كتعويذات وقائية.

مراحل الحياة والهوية الاجتماعية

الوشوم كانت تعكس مراحل حياة المرأة حيث تبدأ الفتاة بالوشم عند بلوغها وتضاف رموز جديدة مع الزواج أو الترمل. على سبيل المثال، كان يرسم وشم يمتد من أذن إلى أخرى على وجه الأرملة في دلالة على مكانتها الاجتماعية بعد وفاة زوجها.

أساليب التنفيذ التقليدية

تولت النساء الأكبر سنًا أو الرسامات التقليديات مهمة تنفيذ الوشوم. وكانت العملية تتم بأدوات بسيطة مثل الإبرة أو السكين، ويستخدم الكحل أو الرماد لتلوين الجرح. أو يستعان بعصائر نباتية تُضفي لونًا أخضر مميزًا.

أسباب التراجع والانحسار

تأثير الدين الإسلامي

مع انتشار التعاليم الإسلامية، واعتبار الوشم من الممارسات المحرمة بدأت هذه العادة بالتراجع. وكثير من النساء توقفن عن توريثها لبناتهن خشية الوصم الديني والاجتماعي.

التحضر وتغير القيم الاجتماعية

الانتقال من المجتمعات الريفية إلى المدن وارتفاع معدلات التعليم أسهم في تبدل نظرة الأجيال الجديدة للوشوم. أصبحت بعض النساء ينظرن إليها كرمز للتخلف أو الماضي المرتبط بالريف.

انقراض الرسامات التقليديات

مع وفاة الأجيال التي مارست هذه الحرفة، انقطعت سلسلة النقل المعرفي. مما ساهم في اندثارها بشكل تدريجي.

التأثيرات الاستعمارية والوصمة الاجتماعية

مع دخول الاستعمار الفرنسي وانتشار الثقافة الموحدة تحول الوشم من رمز فخر وهوية إلى عادة قديمة يُراد التخلص منها. ومع الوقت خبا بريقه لدى الأجيال الجديدة.

الشواهد المعاصرة

حتى منتصف القرن العشرين، كانت بعض النساء المسنات ما زلن يحملن هذه الوشوم كجزء من هويتهن. لكن مع مرور الوقت، أصبحت هذه الممارسة نادرة جدًا لتحل محلها رسومات الحناء المؤقتة في المناسبات.

وفي السنوات الأخيرة عاد الاهتمام بها بشكل فني. حيث بدأ بعض الشباب والفنانين في إعادة إحياء الرموز الأمازيغية في التصاميم المعاصرة والوشوم الحديثة كنوع من التمسك بالهوية.

وتقول الدكتورة فاطمة الغميحي، الباحثة في الثقافة الأمازيغية والفن الشعبي، إن عادة الوشوم الأمازيغية لم تكن مجرد رسومات جمالية. بل كانت تعبيرًا عميقًا عن هوية المرأة وانتمائها. واندثار هذه العادة يعكس فقدان جزء من ذاكرة جماعية. لكن محاولات إعادة إحيائها في الفنون والموضة هي مؤشر على أن الهوية الأمازيغية لا تزال حية تبحث عن وسائل جديدة للتعبير عن نفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى