غالية البقمية.. امرأة قبلية كسرت قواعد عصرها وقادت رجال القبيلة في معارك الدفاع عن الوطن
أسماء صبحي – في زمن كان ينظر فيه إلى دور المرأة على أنه محصور في شؤون المنزل. خرجت غالية البقمية من بين صفوف قبيلتها لتصبح أيقونة للشجاعة والقيادة في الجزيرة العربية خلال أوائل القرن التاسع عشر. فلم تكن غالية مجرد اسم في سجل النساء البارزات، بل تحولت إلى رمز للكرامة والولاء للأرض. إذ قادت رجال قبيلتها في معارك ضد الغزو، واستطاعت أن تترك بصمة لا تمحى في الذاكرة الشعبية.
النشأة والجذور القبلية
تنتمي غالية إلى قبيلة البقوم، إحدى القبائل العربية العريقة التي سكنت المناطق الجنوبية من الحجاز. وولدت في بيئة بدوية تعرف معنى الصحراء وقسوة العيش، لكنها أيضًا غنية بالقيم مثل الكرم، والشجاعة، والوفاء.
ورثت عن والدها ثروة كبيرة وأراضي واسعة، لكنها ورثت أيضًا صلابة الشخصية التي جعلتها تحظى باحترام رجال القبيلة قبل نسائها.
الظروف السياسية التي صنعت بطولتها
في أوائل القرن التاسع عشر، كانت الجزيرة العربية مسرحًا لصراعات سياسية وعسكرية. خاصة مع محاولات الدولة العثمانية بسط نفوذها على المنطقة. وفي عام 1814، حاولت قوات محمد علي باشا والي مصر آنذاك، إخضاع القبائل الموالية للدولة السعودية الأولى. وهنا برزت غالية ليس كمجرد سيدة ثرية، بل كقائدة قبلية تحمل على عاتقها حماية أرضها وقومها.
عندما استشهد زوجها الأمير حمد بن عبد الله، أمير تربة، تولت غالية قيادة شؤون البلدة والقبيلة. ولم تكتفي بالإدارة السياسية، بل نظمت صفوف المقاتلين، وأشرفت على تجهيز المؤن والسلاح. ووضعت خططًا دفاعية ساعدت في صد الهجوم العثماني.
كانت قيادتها تثير دهشة الأعداء قبل الحلفاء، إذ كان من النادر أن تتصدر امرأة الصفوف الأولى في الحرب في ذلك العصر.
دور غالية البقمية في معركة تربة
تعد معركة تربة عام 1814 أبرز محطات مسيرة غالية، إذ تصدت قواتها وقوات القبائل الحليفة لهجوم كبير بقيادة الشريف حمود. وبحسب الروايات التاريخية، فقد لعبت خططها الحربية دورًا حاسمًا في إلحاق خسائر فادحة بالقوات المهاجمة. ما دفع البعض إلى نسج الأساطير حولها، مثل الزعم بأنها كانت تستخدم طرقًا نفسية لإرباك العدو.
تحولت غالية إلى أسطورة في الحكايات الشعبية، حيث يصفها الرواة بأنها كانت تمتطي الخيل بكفاءة، وتحمل السيف، وتشجع المقاتلين بنفسها. كما كان يطلق عليها لقب “أم المقاتلين” وهو ما يعكس مكانتها في وجدان القبيلة.
إرثها وتأثيرها على مكانة المرأة
إرث غالية البقمية لم يكن عسكريًا فقط، بل اجتماعيًا أيضًا. إذ ساهمت في تغيير النظرة إلى المرأة داخل القبيلة، وأثبتت أن القيادة لا ترتبط بالنوع، بل بالكفاءة والشجاعة.
واليوم، تذكر قصتها في المناهج والندوات الثقافية كمثال على أن المرأة البدوية قادرة على حمل راية الدفاع عن مجتمعها.
ويقول الدكتور محمد العتيبي، أستاذ التاريخ الحديث في جامعة الطائف، إن غالية البقمية تمثل نموذجًا نادرًا لامرأة قبلية جمعت بين الذكاء السياسي والجرأة العسكرية. وتكشف قصتها أن المرأة في المجتمعات البدوية كانت أحيانًا تتجاوز الأدوار النمطية لتلعب أدوارًا محورية في الأحداث المصيرية.
ويضيف العتيبي، أن معركة تربة ما زالت تدرس كحالة فريدة في التاريخ العسكري للجزيرة العربية. حيث لعبت القيادة النسائية دورًا مباشرًا في تحديد النتيجة.



