حوارات و تقارير

كيف انتهى موسوليني تحت وابل الرصاص والغضب الشعبي بعد سنوات من القمع والطموح الدموي في إيطاليا

في صباح يوم الثامن والعشرين من أبريل عام 1945، هبت رياح باردة على ضفاف بحيرة كومو شمال إيطاليا، وكان بينيتو موسوليني واقفًا أمام جدار حجري، الرجل الذي قاد بلاده بعنف وجنون سلطة طوال أكثر من عشرين عامًا، وقف بجانبه كلارا بيتاتشي وسط صمت ثقيل ووجوه شاحبة تنظر نحو المجهول لم تكن هناك فرصة للهرب، فقد أحاط به الثوار الذين ذاقوا مرارة حكمه القاسي، ورفعوا أسلحتهم نحوهما، حتى دوى صوت الرصاص ليسقط الدوتشي، وتطوى صفحة حياة حافلة بالقسوة والدماء.

قصة بينيتو موسوليني

لكن تلك اللحظة لم تكن النهاية الكاملة. في ميلانو، عند ميدان الشهداء الخمسة عشر، تجمعت حشود غاضبة حول جثته، أطلقوا العنان لغضبهم الدفين، بصقوا عليها، ورجموها بالحجارة، وضربوها بلا رحمة، وكأن السنين التي خنقهم فيها بالقمع والبطش قد تفجرت دفعة واحدة، هكذا انتهت سيرة موسوليني، نهاية تليق بحياة ملأها الرعب والقهر والدم.

ولد موسوليني في التاسع والعشرين من يوليو عام 1883 في قرية دوفيا دي بريدابيو، ونشأ طفلًا نبيهًا تلمع عيونه بطموح مبكر، عمل في شبابه معلمًا، لكنه لم يرض بقاعات الدراسة حدًا لأحلامه، كان نهِمًا في القراءة، ينهل من أفكار ماركس ونيتشه وكانط، وبمرور الوقت انجذب نحو الأفكار المتطرفة والعنيفة، في العشرينيات من عمره، بدأ إدارة صحف تروج للعنف كوسيلة للتغيير، وكتب بلا خوف عن الإضرابات العمالية التي دعمتها القوة، حتى اعتقل في سويسرا عام 1903 بسبب آرائه التي لم تُقبل حتى من الحزب الاشتراكي، ما أدى لطرده من الحزب ومن جريدته.

حين اشتعلت الحرب العالمية الأولى، وجد في أجوائها مخرجًا لفكره المتطرف، فأطلق صحيفة جديدة باسم شعب إيطاليا سنة 1914، وبدأ عبرها نشر فكر يمزج بين القومية والعنف والعسكرة. شارك في القتال كقناص، وعاد من الجبهة حاملًا حلمًا جامحًا بقيادة إيطاليا نحو ما أسماه العظمة.

أسس الحزب الفاشي سنة 1921، وجمع حوله أنصارًا عرفوا بالقمصان السوداء، ميليشيات ترتدي الأسود وتنشر الخوف في شوارع المدن الإيطالية خطاباته كانت نارية، تحرك الجماهير وتدفعهم نحو العنف، ومع الوقت أحرق أتباعه المباني الحكومية، وقتلوا المئات من المعارضين بلا تردد.

في عام 1922، وصل إلى ذروة طموحه، حين قاد ثلاثين ألفًا من رجاله في مسيرة صوب روما، مهددًا الملك بالثورة، كما استسلم الملك فيكتور إيمانويل الثالث، وعيّنه رئيسًا للوزراء وهو لم يتجاوز التاسعة والثلاثين من عمره، ليصبح أصغر من تولى هذا المنصب في تاريخ إيطاليا خلال سنوات قليلة، أعاد تشكيل الدولة بالكامل، وحوّلها إلى نظام شمولي يخنق الحريات ويطارد المعارضين.

في ثلاثينيات القرن العشرين، بدأ يتطلع خارج حدود بلاده عام 1935، شن غزوًا على إثيوبيا، وضمها كمستعمرة لإيطاليا، وهي الخطوة التي رآها الكثيرون بداية الشرارة التي أشعلت الحرب العالمية الثانية،  عندما اجتاح هتلر فرنسا، سارع موسوليني بإعلان الحرب على خصوم ألمانيا، رغم ضعف جيشه وعدم استعداده، فغامر بغزو اليونان وألبانيا، بينما كان الشعب يعاني الجوع والبطالة، وبدأت بوادر التمرد تتسلل إلى الشوارع.

بحلول عام 1943، كانت البلاد تتفكك، حيث خسر الجيش الإيطالي معاركه في شمال أفريقيا وصقلية، ووصل الحلفاء إلى مشارف روما، كماأصدر الملك قرارًا بإقالة موسوليني وسجنه في فندق معزول في جبال أبروتسي، لكن هتلر أرسل قوات خاصة بطائرات شراعية في عملية جريئة، ونجحوا في تحريره ونقله إلى ميونخ، حيث أقنعه بإنشاء دولة فاشية جديدة في شمال إيطاليا.

عاد موسوليني أكثر شراسة، فأطلق حملة انتقامية ضد كل من عارضه، وطرد من لا يحمل أسماء إيطالية، وأشرف على مذبحة في ميدان بياتزال لوريتو في أغسطس 1944، راح ضحيتها خمسة عشر معارضًا، فتحول المكان إلى رمز للشهداء.

في ربيع 1945، كانت الحرب قد حسمت البلاد غرقت في الخراب، والجيوش المتحالفة زحفت نحو الشمال، حيث حاول موسوليني الهروب إلى سويسرا برفقة كلارا، متنكرًا بزي نازي، لكن ملامحه التي عرفها الجميع فضحته، كما ألقى الثوار القبض عليه، وفي صباح اليوم التالي، أعدموه مع كلارا بالقرب من فيلا بيلمونتي.

نقلت الجثتان، إلى جانب جثث خمسة عشر من أتباعه، إلى ميدان الشهداء الخمسة عشر في ميلانو، حيث تجمعت الجماهير وأفرغت كل غضبها عليهم بعد يوم من الإهانات والضرب، تولت القوات الأمريكية نقل الجثث إلى مشرحة ميلانو، ثم دُفن موسوليني في قبر مجهول.

هكذا أسدل الستار على قصة الرجل الذي أشعل إيطاليا بنيران طموحه، وانتهى به المصير وقودًا لغضب شعبه الذي لم يغفر له جرائمه ولا نسي سنوات الرعب التي عاشها تحت حكمه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى