حوارات و تقارير

الهوية الساحلية في دول الخليج: كيف شكل البحر الإنسان والمجتمع؟

أسماء صبحي – لطالما شكل البحر عنصراً محورياً في تكوين الهوية الخليجية. حيث لعب دوراً عميقاً في تشكيل الحياة اليومية، وأنماط المعيشة، والثقافة المجتمعية في دول الخليج العربي. وقبل اكتشاف النفط، كان البحر المصدر الأساسي للرزق والسفر والتواصل مع العالم. وكانت العلاقة معه علاقة وجود وبقاء، صنعت الإنسان الخليجي كمجتمع مقاوم، صبور، ومترابط حول قيم العمل والكرامة.

اقتصاد اللؤلؤ وصيد الأسماك

قبل الطفرة النفطية، اعتمدت معظم دول الخليج على اقتصاد يعتمد بشكل كبير على صيد الأسماك، واستخراج اللؤلؤ من أعماق البحر. وكانت مهنة “الغوص على اللؤلؤ” من أكثر المهن شيوعًا، حيث كان الرجال يمضون أشهرًا في البحر في رحلات شاقة وعنيفة. بينما تتولى النساء إدارة شؤون الأسرة والمجتمع في غيابهم. وخلقت هذه الديناميكية بنية اجتماعية متماسكة، عزّزها الاعتماد المتبادل بين أفراد المجتمع.

كما كان صيد السمك مصدرًا آخر للعيش، ورافدًا غذائيًا أساسيًا للمدن الساحلية، إلى جانب كونه مهنة تراثية توارثها الأجداد عبر الأجيال. وقد ساهمت هذه النشاطات في بناء مهارات ومعرفة عميقة بالبحر، ما شكّل جزءاً من الذاكرة الجمعية لسكان الخليج.

البحر في الثقافة والفنون الشعبية

التراث الثقافي في الخليج مليء بالإشارات إلى البحر، سواء في الأغاني الشعبية مثل “النهمة” و”اليامال” التي كان يؤديها البحارة والغواصون أثناء العمل، أو في الأمثال والحكايات الشعبية التي كانت تروى على ضوء الفوانيس في الليالي البحرية. كما شكل البحر مصدر إلهام دائم للشعر النبطي، وكان يحضر في وصف المعاناة، والاشتياق، والانتصار على الطبيعة.

ولم تقتصر العلاقة على الرجال فقط، بل ساهمت النساء أيضًا في إثراء الهوية البحرية. سواء من خلال صناعة الشباك، أو تقديم الدعم النفسي والروحي للغائبين. وهو ما تجسّد في الأغاني النسائية التي كانت تُغنّى في لحظات التوديع والانتظار.

التحول بعد اكتشاف النفط

مع اكتشاف النفط، تغيرت أنماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وبدأت المجتمعات الخليجية تتحول تدريجيًا من مجتمعات بحرية إلى مجتمعات مدينية حديثة. ومع ذلك، لم تنقطع العلاقة تماماً بين الإنسان الخليجي والبحر، بل استمرت بشكل رمزي في الفنون، والعمارة، والمهرجانات التراثية. التي تستعيد مشاهد من الماضي البحري كجزء من الحفاظ على الهوية الوطنية.

لم يكن البحر مجرد مورد طبيعي، بل كان أيضًا قناة حيوية للتواصل بين الخليج والعالم. خاصة في فترات ما قبل الحدود السياسية الحديثة. فالبحر كان يربط بين الخليج وبلدان الهند وشرق إفريقيا وفارس، مما شكل هوية منفتحة على التجارة والتعددية الثقافية. ما يزال أثرها باقياً في لهجات الخليج، وعادات الطعام، والملابس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى