ماذا حملت رسالة هولاكو للسلطان المظفر قطز

من قلب التهديد إلى ساحة الكرامة، ومن سطور الجبروت إلى كلمات العزة، انطلقت رسالة هولاكو إلى السلطان المظفر قطز، فحملت نذر الخراب وتوعدت بالهلاك، لكن الرد لم يأت إلا بما يليق بمقام الفرسان وعزة الإيمان، حيث تسطرت مواجهة بين القسوة والطغيان من جهة، والإيمان والشجاعة من جهة أخرى.
ماذا حملت رسالة هولاكو للسلطان المظفر قطز
بدأت رسالة هولاكو بتعظيم الذات وتقديم نفسه كملك الملوك شرقًا وغربًا، وجاءت كلماته متعجرفة ملؤها الغرور، وأكد فيها أن جنوده يمثلون جند الله في الأرض، خرجوا من سخطه، وسلطوا على من حل عليه غضبه، وأراد أن يُرهب قطز وأمراءه وسكان مصر بما فعله في البلدان الأخرى من دمار وقتل وإبادة.
وصف هولاكو جنوده بأنهم لا يرحمون باكيًا، ولا يرقّون لمشتكٍ، وزعم أنه فتح البلاد وطهر الأرض من الفساد، ودعا قطز إلى الاستسلام السريع وتسليم الأمر دون قتال، مهددًا بأن لا مكان يأويهم، ولا طريق ينجيهم، ولا حصن يمنعهم، ولا دعاء يسمع لهم، وعدد صفات قواته بأنها سريعة وقوية ومدمرة، وسيوفهم صواعق، وقلوبهم لا تعرف الخوف، وحذر من أن مقاومتهم لا تفيد، فالذل والهوان في انتظار من يعصيهم.
في نهاية الرسالة، وجّه أبياتًا شعرية ينذر فيها مصر بالهلاك، واصفًا غاراته بأنها لا تُبقي عزيزًا، ولا تُفرق بين كبير وصغير، في مشهد كله تهديد واضح ورسائل نفسية هدفها كسر العزائم قبل بدء الحرب.
لكن الرد من قطز لم يكن مجرد كلمات، بل كان بيان عز وشموخ، بدأه باسم الله وبالصلاة على النبي محمد، ثم رد على مضمون الرسالة بكل قوة، ساخرًا من تهديدات هولاكو ومستهزئًا بمظاهر الغطرسة في حديثه، مؤكدًا أن الرحمة نُزعت من قلوبهم، وأن أوصافهم لا تليق إلا بالشياطين لا بالسلاطين.
وبيّن قطز أن القرآن أنزل عليهم، والإيمان يملأ قلوبهم، لا يعتريهم شك ولا يخترقهم ضعف، وقال إن النار أعدت لأمثالهم، وجلودهم أول من يكتوي بها، وسخر من تشبيههم أنفسهم بالجبال والرمال، مؤكدًا أن الموت أهون من الذل، وإن قتلهم فهو تجارة رابحة، وإن ماتوا فهم شهداء في جنات الخلد.
وأكد قطز أن المؤمن لا يخضع لطغيان، ولا يركع لجبروت، وأوضح أن رسالتهم لا ترهبه، ووصفها بأنها لا تزيد عن طنين ذباب، وصرير باب، وكشف أن الرد الفعلي لن يكون بالكلام، بل في ساحة القتال، وتحديدًا في موعد ضرب فيه العز موعده مع المجد في معركة عين جالوت.
في النهاية، قطع قطز كل سبيل للسلام، وأعلن أنه لا طاعة لهولاكو ولا استسلام، ووعده بلقاء لا يُنسى، ينتصر فيه الإيمان على الطغيان، في مواجهة سجلها التاريخ بأحرف من نور، وخلدت موقف رجل لم تضعف عزيمته أمام أكبر تهديد، فصار رمزًا للكرامة والعزة في وجه الظلم والعدوان.



