تاريخ ومزارات

الحكاية في الثقافة العمانية: من المجالس إلى الرواية

أسماء صبحي – تعد الحكاية جزءًا أصيلًا من الذاكرة الثقافية العمانية، وهي وسيلة لنقل القيم، والمعرفة، والتجربة عبر الأجيال. فمن المجالس الشعبية حيث كانت الألسن تنسج القصص، إلى الروايات المعاصرة التي تدون تلك الحكايات بأسلوب أدبي لعبت القصة دورًا محوريًا في تشكيل الوعي الجمعي والهوية الوطنية للعمانيين.

الحكاية في المجالس الشعبية

في القرى والبوادي العمانية، كانت المجالس تعد مسرحًا للحكايات، يتجمع فيها الأهالي بعد يوم طويل ليستمعوا إلى كبار السن وهم يسردون قصصًا من التراث والأساطير الشعبية. ولم تكن هذه الحكايات للتسلية فقط، بل كانت محمّلة بالحكم، والأمثال. والدروس الأخلاقية التي توجه سلوك الأفراد وتعزز القيم الاجتماعية مثل الشجاعة، والكرم، والصبر.

وكانت المرأة العمانية تلعب دورًا مهمًا أيضًا في نقل الحكاية داخل نطاق الأسرة. حيث تحكي القصص لأطفالها قبل النوم، لتغرس فيهم القيم وتوسّع خيالهم. ومن أشهر هذه الحكايات: “الصياد والجنية”، و”عنترة العماني”، وحكايات الجنّ والأسفار العجيبة.

التحول نحو التدوين

مع التطور التعليمي والثقافي الذي شهدته سلطنة عمان، بدأ المثقفون والباحثون في توثيق الحكايات الشعبية خوفًا من اندثارها. كما ظهرت مجموعات قصصية مطبوعة توثق الروايات الشفهية وتعيد صياغتها بلغة أدبية، وتفتح بابًا للجيل الجديد كي يتعرف على التراث بأسلوب معاصر. وبرزت أسماء أدبية عمانية بدأت توظف الحكاية الشعبية داخل نصوصها الروائية. مثل الروائية جوخة الحارثي، التي دمجت الحكاية العمانية مع تقنيات السرد الحديثة لتنتج أدبًا يجمع بين الأصالة والحداثة.

ولم تقف الحكاية الشعبية عند حدود التوثيق، بل أصبحت مصدر إلهام للروائيين العمانيين، الذين استندوا إليها في بناء عوالم سردية كاملة داخل رواياتهم. فاستخدموا الشخصيات الأسطورية والوقائع الشعبية كأساس لحبكات أدبية تتناول قضايا المجتمع والهوية. وتعالج التغيرات الاجتماعية والثقافية.

وباتت الرواية العمانية أداة جديدة تعيد تشكيل الحكاية وتمنحها أفقًا عالميًا. فقد حصلت رواية “سيدات القمر” لجوقة الحارثي على جائزة “المان بوكر العالمية”. وبهذا استطاعت الحكاية العمانية أن تنتقل من المجلس المحلي إلى منصات الأدب العالمي.

عنصر من عناصر الهوية الثقافية

إن الحكاية، سواء في صورتها الشفوية القديمة أو عبر الرواية الحديثة، تشكل أحد ملامح الهوية الثقافية العمانية. فهي لا تنقل فقط القصص، بل تفتح نوافذ لفهم الإنسان العماني، علاقته بالمكان، وتاريخه الاجتماعي والروحي. وهي مرآة تظهر كيف تفاعلت المجتمعات المحلية مع الطبيعة، الدين، والأسطورة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى