وطنيات

علاء عبد الله يكتب..

أكتوبر.. وتصحيح التاريخ 

 

من المعلوم بالضرورة في التاريخ أن الله تعالى والطبيعة والجغرافيا والأقدار، فضّلت أوطانا على أوطان واصطفت بلادا دون أخرى، مصر إحدى هذه الأوطان التي عنيت بعناية إلهية خاصة وحبتها الطبيعة والجغرافيا بمكانة وموقع في وسط العالم، وهيأت لها الظروف أن تكون سيدة البشرية لآلاف السنين وابنة حضارة لاتزال كنوزها تقذفها الأرض حتى وقتنا هذا، محدّثة عن الإبداع والتقدم والعظمة والكبرياء.

 

إذًا أن تكون كبيرا ومتفردا في كل شيء فهذه إرادة السماء، التي تسخّر كل شيء لتجعلك الأفضل والمقدم على غيرك والسابق لسواك، ومن هنا أخذت مصر هيبتها وكبرياءها بين الأمم وصارت بأقدارها سيدة المنطقة وكبيرة العرب وأمّاً للحضارات ومهدا للأنبياء وحافظة للرسالات السماوية.

 

ومن أجل ما سبق كانت أية محاولة أو متغير يسعى لأن ينتزع تلك المكانة من أصحابها ويعزل مصر أو يقزمها أو يهينها فعلا خارجا عن طبيعة الأمور وضد إرادة الزعامة وعكس ثبوت الأشياء، وفي هذه الحالة تدخل البلاد في حالة من الاكتئاب الوطني والصدمة اللحظية حتى تفيق منها بفعل القوة الذاتية المستمدة من تاريخها وقدرها، وهو ما حدث في حرب 1967 والتي أسماها المصريون “نكسة” ليس لأنها هزيمة عسكرية قد تُمنى بها أية دولة في حالة صراع، فالتاريخ البشري مليء بالحروب والتي تنتهي بمنتصر ومهزوم، لكن اعتبرها شعب مصر نكسة لأنها ضد طبيعته وعظمته وتتعارض مع شخصية هذا الشعب الذي لم يذق الهزيمة من قبل ولم يعتد على طعمها. فمصر على مدار التاريخ تحسم المعارك الكبرى وتوسّع إمبراطوريتها وتزدهر حضارتها، ولأن مصر كانت دوما هي درع الضعفاء في العالم وسيف المغلوبين على أمرهم وناصرة الحقوق، فمن الطبيعي حينما تسقط أو هكذا خُيّل للجاهلين بقوة الأمم العظيمة، أن يزلزل احتلال قطعة من أرض مصر نكسة نفسية وانتكاسة حضارية لم تنسها البلاد التي عاشت من أجل الثأر.

 

كعادة الأمم العظيمة كما قلنا تنهض من بين الرماد، نافضة عن نفسها الهزيمة والانكسار، وترفض ما أسمته الصحراء «سقطة»، وتسترجع حقيقة الأشياء. ومن هنا سكت الجميع وتكلمت المدافع التي راحت تدكّ حصون اليهود على الضفة الأخرى من قناة السويس. بدأت حرب الاستنزاف بعد شهور قليلة من سقوط سيناء وطيلة سنوات لم ينم المصريون ساعة واحدة وهم ينغّصون على المحتل حياته ويفقدونه أية لذة انتصار أو شماتة فوق الأرض المصرية، فمن قصف لا يتوقف إلى عمليات نوعية، إلى مجموعات قتال تعبر وتعود، إلى عمليات فدائية عاش العدو كابوسا حقيقيا في سيناء، حتى أتت اللحظة الحاسمة ويوم الشرف وتصحيح التاريخ في السادس من أكتوبر 73 حين أعلنت مصر أنها عادت وراحت تسطر أعظم ملحمة عسكرية في الحروب الحديثة، كل معركة صغيرة منها تستحق أن تدرّس في أعظم الأكاديميات العسكرية.

 

كما كانت الهزيمة صدمة كان العبور المصري على قدر الحدث، وعزف خير أجناد الأرض أجمل وأقوى سيمفونية وطنية ورسموا على صفحة القناة وجه مصر الجميل، وغرسوا السيوف في جبهة سيناء وفوقها راية عزيزة كُتب عليها «الله أكبر.. لهذه الأرض المقدسة قوة تحميها، ولتسبّح رمال الفيروز بحمد ربها وتشعل القناديل من جديد في الوادي المقدس طوى».

 

تمرق من أمامنا الذكرى الـ47 لانتصار أكتوبر التاريخي، وستظل ذكراه عظيمة وخالدة ويوما أعاد فيه التاريخ تصحيح نفسه، ويوم كرامة وعزة لكل الأمة العربية التي استطاعت أن ترفع رأسها.. سيبقى أكتوبر حدثا استثنائيا وسيظل المصريون أهلا لكل شيء لا يكسرهم حدث أو يثنيهم طارئ، وعلى الموعد دائما.. عاشت مصر حرة عزيزة فوق الجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى