قصة يوم 31 أكتوبر 56 مع بداية العدوان الثلاثي واستشهاد المقدم بحري أحمد شاكر حسين قائد المدمرة دمياط في حرب 56
حديثنا اليوم عن شهيد ضرب به المثل، كان رمزاً للفداء والتضحية، وشرف العسكرية المصرية، وشهد لبسالته العدو قبل الصديق ، شهد العديد من الجولات منها حرب فلسطين وهو مازال طالبا في الكلية البحرية، وشرف أيضا بالمشاركة في الجولة الثانية للصراع العربي الإسرائيلي، وهى عمليات حرب السويس 1956م، الذي استشهد وهو يدافع عن مصر، ولم يستسلم ولكنه فضل الشهادة بشرف عن الحياة في ذل وانكسار الذي لم يتسرب إلى قلبه قط، هذا هو الشهيد مقدم بحري أحمد شاكر حسين، بطل السفينة دمياط.
مولده
ولد في الخامس من يوليو سنة 1928م بمحافظة بني سويف
حصل بتفوق على بكالوريوس العلوم العسكرية البحرية في 12ديسمبر 1948م
وكان ترتيبه السابع والعشرين
اشترك محمد شاكر في معركة فلسطين في 8 يونيه 1948م، في السفينة القصير “فوزية”، وكان مازال طالباً في الكلية، وكان معه على ظهر هذه السفينة أيضاً رفيق دفعته جلال الدين دسوقي الذي استشهد أيضاًً في معركة البرلس 1956م، واشتركت هذه السفينة في ضرب تل أبيب ، كان الاشتراك في هذه المعارك وهما على بداية الطريق جعل هؤلاء الضباط يشتد إيمانهم بعدالة القضية ضد الصهيونية في هذا الوقت من بداية الصراع.
عمل بعد تخرجه ضابطاً في السفينة “رفح”، ثم التحق بفرقة الطوربيد ومكافحة الغواصات، وجاء ترتيبه السابع، كما التحق بعد ذلك مباشرة بالفرقة الأولى لتأهيل الملازمين ثان، وجاء ترتيبه الثاني، ثم التحق بفرقة المواصلات البحرية الأولى بمدرسة الإشارة، ورقى إلى رتبة الملازم أول 1951م، وعمل ضابطاً ثالثاً على السفينة “القصير”، ثم التحق بفرقة الملاحة 1953م، وجاء ترتيبه الخامس، ثم رقى لرتبة اليوزباشي (النقيب) في نفس العام، ثم عمل في أكتوبر1953ضابطاً أول للسفينة “عكا”، وهناك موقفاً تدل على أمانته ، ففي شهر ابريل 1954م صرف إليه مبلغ خمسين جنيها زيادة أثناء صرف المرتبات لهذا الشهر إلا أنها ردها في هدوء وصمت فبعث إليه رئيس أركان القوات البحرية برسالة تقدير له ولأمانته ، وفى يوليه 1956م رقى محمد شاكر إلى رتبة الصاغ (رائد)، وعين قائداً للسفينة دمياط التي خاض بها معركته الظافرة، ولم تمض ثلاثة أشهر حتى رقى لرتبة البكباشي (المقدم) في 27 اكتوبر 1956م .
حصل محمد شاكر خلال عمله على عدة نياشين وميداليات تشير كلها لأعمال بطولية وهى: نجمة فلسطين، وميدالية محمد على، ونيشان التحرير، ونوط الجلاء، ونوط الاستقلال.
قصة استشهاده
كانت الفرقاطة دمياط إحدى قطع الأسطول المصري الصغيرة في مرساها بمدينة الأدبية بجوار السويس، وصدرت لها الأوامر في 31 أكتوبر 1956م بالاتجاه إلى شرم الشيخ لتحل محل الفرقاطة رشيد، وجمع قائد دمياط محمد شاكر حسين ضباطه وجنوده، وشرح لهم الموقف العسكري التي تمر به مصر في هذه اللحظات الحاسمة من تاريخها، وتحركت الفرقاطة دمياط تشق طريقها في البحر الأحمر، ولاحظ أن ناقلة البترول “تيف سوفزرن” تغادر ميناء بور توفيق وتسير وراء دمياط تماماً، وعند فنار أبو المور بالقرب من رأس غارب اقتربت الناقلة من دمياط، وفجأة زادت من سرعتها لتختفي عن الأنظار، عندئذ أتقن البطل أن الناقلة قامت بعملية تجسس على الفرقاطة لتبلغ تحركاتها إلى البحرية الإنجليزية، وأن دمياط في طريقها إلى شرم الشيخ.
وبعد منتصف الليل وكانت دمياط قد قطعت حوالي 80 ميلاً بحرياً، ميزت ثلاث سفن في الظلام، وبذل الرجال جهدهم لتمييز السفن التي تواجههم، وتبين أنها ثلاث قطع بحرية بريطانية، أحدها الطراد البريطاني الذائع الصيت ” نيوفوندلاند”، وإلى جانبه مدمرتان، الأولى: “ديانا” ومن طراز “دارنج”، والأخرى لم يمكن تمييزها ولكنها من نفس الطراز.
وهنا هتف المقاتل شاكر في جنوده: لقد حان الثأر للسفينة “إبراهيم” التي هاجمت السواحل الإسرائيلية، وتم أسرها، وبدأت المعركة، أعنف معركة في تاريخ البحرية، دمياط الصغيرة، سفينة الجرحى والتموين تواجه ثلاثة من أقوى قطع الأسطول البريطاني، دمياط الفرقاطة التي تبلغ حمولتها 1660طن، ولا يزيد تسليحها عن مدفع واحد عيار 4بوصة، وستة مدافع 40 مم مضاد للطيران، لا يمكن لفوهتها لأن تنخفض لتضرب أغراضا على سطح البحر، ولم يكن في الفرقاطة أنابيب لإطلاق الطوربيد، أما الطراد “نيوفوندلاند” فحمولته كانت 8800 طن وحمولة كل مدمرة تصاحبه 2610طن، وكان الطراد يحمل على متنه 950ضابطاً وجندياً، وأن كل مدمرة تحمل 308ضابطاً وجندياً وكانت أجنابه مدرعة بدروع سمكها أربع بوصات، إلى جانب تسعة مدافع عيار ستة بوصة، وثمانية عيار أربعة بوصة ، واثنا عشر مدفعاً عيار 40 مم، واثنا عشر مدفعاً عيار 20مم مضاد للطيران، وستة أنابيب لإطلاق الطوربيدات 21بوصة، وكان على متن السفينة دمياط 149 ضابطاً وجندياً، وكان على هؤلاء أن يواجهوا بمدفعهم الوحيد 1566مع ثلاث من قطعهم البحرية.
وأضاء الطراد الإنجليزي أنواره أمراً أبطال دمياط بالتوقف ، ولكن البطل شاكر أمر احد رجاله بتصويب المدفع الوحيد معهم إلى مصدر النور.كان هذا الرد الرائع هو الذي أطفأ نور “نيوفوندلاند”، وعجب قائد الطراد الذي لم يكن يتوقع ما حدث ..كانت دمياط محاصرة ولكنها وضعت نفسها على قدم المساواة مع هذه القطع.
ووجهت “نيوفوندلاند” مدافعها الضخمة وقصفت دمياط ، وبدأ الاشتباك ، أطلقت دمياط مدفعها لتصيب الطراد إصابة مباشرة الذي سعر وصب جام نيرانه ومعه المدمرتين فوق دمياط ، قذائف من كل اتجاه، وأصيب مقدم دمياط، وفتحت الثغرات في جسم السفينة التي اندفعت فيها المياه إلى داخلها.وأصيب مدفعها الوحيد، سقطت عليه قنبلة مباشرة، والتوت ماسورته، وتحطمت قاعدته ، واستشهد الملازم مدحت الزيات وجنوده، وأصيبت غرفة اللاسلكي والمولدات الكهربية وأظلمت دمياط تماماً…كانت النهاية سريعة، بذل الجنود والضباط كل ما يملكون من قوة ومثابرة، ولم ترض النهاية أبطال السفينة، ونظر محمد شاكر إلى “نيوفوندلاند” ،واستطلع حوله، وقدر موقف حسب أخر التطورات، وكانت دمياط مازالت قادرة على الحركة، وأصدر شاكر على الفور أوامره بتغيير اتجاه دمياط …لقد خطرت له فكرة …لقد صمم على عمل كبير.
إن الطريق الذي اختاره محمد شاكر سينتهي به والسفينة إلى وسط الطراد الإنجليزي ذائع الصيت”نيوفوندلاند”، سيصيبه، سيغرقه، وستغرق دمياط، وسيغرق هو بعد أن تكون “نيوفوندلاند” قد تلقت درساً لم تكن تتوقعه.
وبدأ أبطال دمياط ينفذون أوامر قائدهم ، انطلقت دمياط إلى وسط الطراد بكل سرعتها وقوتها، وصعق قائد الطراد، وبدأت المياه تتدفق في عنف إلى داخل دمياط، لقد كانت الثغرات في جوانبها تزداد اتساعاً، ويزداد الماء تدفقاً إليها، وتزداد غوصاً وميلاً جعلت اتجاه المدافع المضادة للطيران في اتجاه “نيوفوندلاند”، وهنا أصدر شاكر أوامره بإطلاق النيران، وفوجئت “نيوفوندلاند” بطلقات المدافع تخترقها وتحطم منشآتها، وعادت المدافع المعادية تقصف دمياط من مكان، لم يستطع البطل أن يصدم الطراد لأن المحركات توقفت تماماً، وبدأت الفرقاطة الصغيرة في الغوص الجدي إلى القاع، وهنا أمر المقدم شاكر رجاله بمغادرة السفينة وركوب قوارب النجاة.
وأرسلت “نيوفوندلاند” إشارتها إلى المدمرتين تقول: “شكراً، لولاكم لكنا الآن في القاع”.
صعد محمد شاكر إلى سطح سفينته ، حيث لم تصل المياه بعد ، ووقف يراقب رجاله، وهم يغادرون دمياط، وبقى هو، بقى مع سفينته، وكان يستطيع أن يغادرها بعد ذلك، ولكنه آثر إغاثة ما تبقى من زملائه حتى لقي الله شهيداً.
قال قائد الطراد البريطاني ” نيوفوندلاند”: بعد المعركة
“لقد كان قائد دمياط أشجع قائد عرفته البحارة”
لقد اختار مثلاً أعلى للبطولة والفداء والتضحية.
كرمتة الدولة عقب وفاته مباشرة، إذ أطلقت اسمه على إحدى القاعات بالكلية البحرية، وذكره الرئيس جمال عبدالناصر في خطبه كثيراً، وبعد الانتصار على إسرائيل في معركة شدوان في 22يناير 1970م، أطلق اسمه على جزيرة شدوان التي حدثت معركته بالقرب منها.