الشيخ أحمد البدري.. فقيه الإصلاح وصوت الحكمة في صعيد مصر
أسماء صبحي ولد الشيخ أحمد البدري في قرية “الكولا” التابعة لمركز أخميم بمحافظة سوهاج خلال القرن السادس عشر الميلادي. في وقت كانت فيه مصر تمر باضطرابات سياسية واجتماعية كبيرة. ونشأ في أسرة متدينة ذات جذور عريقة في العلم والتقوى. وكان لوالده دور كبير في غرس قيم الدين والأخلاق والعمل الصالح فيه منذ صغره.
التحق الشيخ البدري بالكتاب، ثم ارتحل إلى القاهرة حيث التحق بالأزهر الشريف، وتلقى العلم على يد كبار علماء ذلك العصر. كما درس الفقه الحنفي والتفسير وعلوم الحديث ما أهله ليصبح مرجعًا دينيًا مهمًا بعد عودته إلى بلدته.
دوره في الإصلاح الديني والاجتماعي
عاد الشيخ البدري إلى صعيد مصر حاملاً رسالة إصلاحية متكاملة. حيث لم يقتصر نشاطه على الجانب الديني فقط، بل امتد إلى حل النزاعات القبلية والخصومات العائلية التي كانت تؤرق استقرار المجتمع الصعيدي. كما كان يتنقل بين القرى والنجوع داعيًا إلى التسامح والتآخي. وقد عرف بقدرته على تهدئة النفوس وفرض احترامه دون سيف أو سلطة.
كما ساهم في تنظيم شؤون الزراعة وتوزيع الأراضي خصوصًا في مناطق نزاع. حيث سعى إلى تحقيق قدر من العدالة بين الفلاحين مما جعل منه شخصية مقربة من عامة الشعب، ومصدر ثقة للوجهاء.
الشيخ أحمد البدري والطريقة الصوفية
انتمى الشيخ البدري إلى التيار الصوفي، وتحديدًا إلى الطريقة السعدية. لكنه أسّس نهجًا خاصًا اتسم بالزهد والتواضع والانفتاح على الناس. ولم يتخذ من الصوفية وسيلة للانعزال عن المجتمع، بل جعلها أداة للتواصل مع القلوب وتحقيق الإصلاح. كما يعد ضريحه الموجود حتى اليوم في قرية الكولا من المزارات الصوفية المعروفة في الصعيد ويقصده المريدون في المولد السنوي.
وفي هذا السياق، يقول الدكتور حسني عبد الرحيم، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة أسيوط، إن الشيخ أحمد البدري كان من أعمدة الفكر الإصلاحي في الصعيد. فهو لم يكتفِ بالدعوة، بل مارس دور الوسيط والمصلح والقائد الاجتماعي. كما أعاد صياغة العلاقة بين الفقيه والمجتمع في لحظة تاريخية كانت تتطلب حكماء حقيقيين.
وسميت قرية “البداري” في محافظة أسيوط على اسمه تخليدًا لذكراه. كما أن طريقته الصوفية لا تزال تُمارس في بعض الزوايا حتى الآن. ويروى عنه عشرات القصص الشعبية التي تمجد حكمته وقدرته على التوفيق بين الخصوم، ويعده كثيرون “وليًّا صالحًا” له كراماته.
كما تواصلت بعض العائلات في الصعيد بتسمية أبنائها على اسمه تبركًا. وتحولت ذكراه إلى جزء من الموروث الشعبي والديني في محافظات الجنوب.



