تاريخ ومزارات

من العبودية إلى عرش مصر: حكاية كافور الإخشيدي التي هزت التاريخ

في قلب القرن العاشر الميلادي، لمع نجم رجل غير تقليدي، اسمه كافور الإخشيدي، عبد أسود الأصل، جاء من أرض النوبة أو ما جاورها، وتحول إلى حاكم مصر وأحد أبرز رموزها السياسية في ذلك العصر، اشتراه محمد بن طغج، مؤسس الدولة الإخشيدية، سنة 923، لكن كافور لم يقبل أن يبقى في موقع التبعية طويلا، بل استخدم ذكاءه وقدراته السياسية في التدرج داخل دوائر السلطة بن طغج أعتقه، ومنحه ثقة كاملة، فعينه وصيا على أبنائه، وبوفاته عام 946، أمسك كافور بزمام الأمور، حتى نال الحكم رسميا سنة 966 بعد اعتراف الخليفة العباسي.

حكاية كافور الإخشيدي

تخيل أن عبدا يباع في سوق الرقيق يصبح يوما ما أميرا لمصر، هذا التحول المذهل لم يكن مجرد مفارقة، بل خلاصة دهاء شخص تجاوز كل القيود، ونجح في كسب احترام النخبة الحاكمة، كافور لم يكتف بلعب دور الوصي، بل سيطر على الحكم فعليا خلال وصايته على أبناء محمد بن طغج، وهما أبو القاسم أونوجور وأبو الحسن علي، بعد وفاة الأول عام 961، واصل كافور قبضته على السلطة، ثم اختفى الثاني في ظروف غامضة عام 966، البعض قال إن كافور سجنه، وآخرون ألمحوا إلى قتله، لكن لم يظهر دليل قاطع، لتبقى القصة محاطة بضباب التاريخ.

وفي عهده، لم تكن مصر آمنة من تقلبات الطبيعة أو عنف البشر، إذ شهدت البلاد كوارث متلاحقة هزت أركانها. زلزال عنيف وقع عام 955 أو مطلع 956، دفع السكان إلى الهروب نحو الخلاء خوفا من الدمار، ثم جاءت النكبة الكبرى في 954، حين اندلع حريق هائل في مدينة الفسطاط، التهم أكثر من 1700 دار، وأحرق البضائع والآمال معا الأزمات لم تتوقف، فالمجاعات ضربت البلاد في سنوات متفرقة مثل 949 و952 و955 و963 حتى 968، والنيل انخفض منسوبه، فعجز الفلاحون عن زراعة أراضيهم، وتفاقم الجوع حتى تحولت الشوارع إلى ساحات للجريمة.

ولم تكن الكوارث الطبيعية وحدها من شكلت تهديدا لحكم كافور، فقد جاءت التهديدات من كل اتجاه من الشرق، هاجم القرامطة قوافل الحجاج، وخربوا القرى، وأحرقوا المدن، وفي سنة 968 احتلوا دمشق ووجهوا أنظارهم نحو مصر حاول كافور التصدي لهم، لكنه لم يفلح في القضاء على خطرهم،  أما من الجنوب فقد تناقلت الروايات أخبار هجمات النوبيين على صعيد مصر، ربما من ممالك نوبية مسيحية، لكن المصادر لم توضح حجم هذه الغارات أو نتائجها، ما زادها غموضا.

رغم كل تلك الكوارث، تمكن كافور من جمع ثروات طائلة فاقت ثروة سيده محمد بن طغج، وعاش حياة ترف أسطوري، ينفق منها ببذخ، بينما الشعب غارق في الفقر، البعض اعتبره حاكما عادلا، لكن آخرين رأوا فيه رمزا للتناقض، خصوصا حين سخر منه المتنبي في أبيات شعره اللاذعة، كافور لم يكن مجرد حاكم، بل كان ظاهرة تاريخية صاخبة، جمعت بين القوة والطموح والتناقضات الصارخة.

في أبريل عام 968، توفي كافور، ودفن في القدس بجوار أمراء الإخشيديين، غير أن مصر التي سيطر عليها بصعوبة، سقطت بعد وفاته بعام واحد فقط في يد الفاطميين، لتنتهي حقبة الدولة الإخشيدية وتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى