تاريخ ومزارات

الفرعون الفضي.. كيف صنع بسوسنس الأول مجده من قلب تانيس

في زمن اتسم بالاضطراب السياسي بعد نهاية عصر الرعامسة صعد بسوسنس الأول إلى عرش مصر كملك ثالث في الأسرة الحادية والعشرين ليمسك بزمام الحكم من عاصمة جديدة شرق الدلتا وهي مدينة تانيس حيث حكم لمدة تقترب من خمسين عاما خلفا لأمون أم نسو وقبل أن يتولى الحكم من بعده أمون إم أوبت.

من هو بسوسنس الأول

اختار بسوسنس أن يؤسس عهدا يتسم بالاستقرار الداخلي والسيطرة المحكمة على الحدود المصرية فأمر بنقل العاصمة من پي رعمسيس إلى تانيس واستفاد من أحجار العاصمة القديمة في تشييد معابد وقصور جديدة توجها بمعبد ضخم مخصص لثالوث طيبة آمون وموت وخونسو بمساحة تبلغ أربعة آلاف وخمسمائة متر مربع مزخرف بلوحات دقيقة ومهيبة إلى جانب بناءه للقصور الملكية ومقبرته التي ستصبح لاحقا إحدى أعظم الكنوز الأثرية.

أعلن نفسه كملك وكاهن أعلى لآمون في آن واحد فجمع بين السلطتين السياسية والدينية وربط اسمه بالأسرة العشرين فكان أحيانا يطلق على نفسه رمسيس بسوسنس ليضفي طابعا مهيبا على حكمه ويؤسس لشرعية قوية ترتكز على اللاهوت الطيبي.

في عام 1940 وصل عالم الآثار الفرنسي بيير مونتيه إلى مدينة تانيس حيث نجح في اكتشاف مقبرة بسوسنس الأول وهي واحدة من المقابر القليلة التي لم تتعرض للنهب على مر العصور واحتوت على كنوز مذهلة من بينها كميات ضخمة من الفضة مما أكسبه لقب الفرعون الفضي وكان من الممكن أن ينافس هذا الاكتشاف شهرة مقبرة توت عنخ آمون لولا تزامنه مع اندلاع الحرب العالمية الثانية التي صرفت أنظار العالم.

التحليل العلمي له يكشف تفاصيل مثيرة حيث بلغ طوله حوالي 166 سنتيمتر وتمتع بجسم قوي ورأس كبير نسبيا نسبة لجسده القصير وظهر بوضوح أن عينه اليمنى كانت أعلى قليلا من اليسرى وتوفي عن عمر نادر في تلك العصور حيث بلغ الثمانين عاما وهو ما يعادل ضعف متوسط الأعمار تقريبا كما تبين أنه أصيب بكسر في إحدى فقرات ظهره وتعافى منه خلال حياته بينما عانى أيضا من الروماتيزم وفقد عددا كبيرا من أسنانه ما أثر على شكل فمه.

ومن أروع القطع التي ضمتها مقبرته قلادة الجعران المجنح التي حملت تعويذة من كتاب الموتى تدعو لحماية قلب المتوفى في العالم الآخر وقد صيغت القلادة بدقة مذهلة حيث ظهر الجعران الكبير المصنوع من حجر داكن في إطار ذهبي محاط بجناحين طويلين مطعمين بزجاج ملون وكان الجعران يقف على رمز شن الذي يمثل القوة الكونية بينما حملت القلادة اسم بسوسنس الكامل باسباخع إن نيوت مري آمون أي النجم المتلألئ في المدينة حبيب آمون وجاءت مزينة بخرزات من الذهب واليشب والفلسبار السماوي.

امتد الإرث الذي خلفه بسوسنس في عمق التاريخ فقد تميز عهده بطول مدته وقوة الخزينة الملكية رغم انحسار النفوذ الخارجي وخلد اسمه عبر قناعه الذهبي ونعشه الفضي ومجموعة مجوهراته اللامعة كما حفظ التاريخ اسم وزيره أوندباأوندد وخليفته أمون إم أوبى الذين استكملوا إرثه السياسي والديني .

وما ميز هذا الملك أيضا خروجه عن تقاليد الفراعنة الأوائل فبدلا من الدفن في وادي الملوك كما كان سائدا بنى لنفسه مقبرة ملكية في تانيس أراد من خلالها أن يثبت قوة عصره ويؤسس لفصل جديد في تاريخ الدفن الملكي المصري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى