المزيد

إبراهيم بك سيد المماليك الذي اختار الرحيل على السقوط

ولد إبراهيم بك في القرن الثامن عشر، من أصول شركسية، وعاش طفولته في مصر بعد أن جلبه المماليك ليكون ضمن صفوفهم العسكرية، واحتضنه علي بك الكبير، أحد أبرز قادة المماليك في ذلك الوقت، وبدأ إبراهيم في بناء شخصيته وتطوير مهاراته في القتال والإدارة، ولم يتأخر القدر كثيرًا حتى وضعه على طريق النفوذ، فبعد أن خان محمد بك أبو الدهب سيده علي بك وقتله عام 1773، جلس إبراهيم في الظل يراقب تغيرات المشهد السياسي، حتى جاءت وفاة أبو الدهب في 1775 لتفتح له الباب نحو الصعود والسيطرة.

من هو إبراهيم بك

في عام 1790، تقاسم إبراهيم بك الحكم مع مراد بك، صديقه القديم ومنافسه السياسي، وأدارا معًا السلطة في مصر من خلال تحالف هش لا يخلو من التوتر، كان إبراهيم يفضل المفاوضات على المواجهات، ووصفه المؤرخ الجبرتي بالحكيم والمتزن، عكس مراد الذي اتسم بالاندفاع، وكان إبراهيم يعيش في قصور فخمة تعكس قوة المماليك وهيبتهم، إلا أنه لم يكن بعيدًا عن سياسات الجباية التي أرهقت المصريين، ففرض ضرائب باهظة أسهمت في تأجيج المشاعر الشعبية، فيما ظل التنافس بينه وبين مراد قائمًا تحت السطح ينتظر الفرصة للانفجار.

عندما قرر السلطان العثماني عبد الحميد الأول إرسال حملة بقيادة حسن باشا الجزايرلي لاستعادة السيطرة على مصر، وقف إبراهيم ومراد للمواجهة، لكن الحملة نجحت في هزيمتهما وأجبرتهما على التراجع إلى حكم محدود في الصعيد، إلا أن المماليك لم يستسلموا، فعاد إبراهيم ومراد إلى القاهرة بعد أن جمعا قواتهما من جديد، واستعادا لقب شيوخ البلد، في مشهد بدا وكأن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى.

في عام 1798، وصلت الحملة الفرنسية بقيادة نابليون بونابرت إلى مصر، وقاد مراد بك المواجهة العسكرية في معركة الأهرام، بينما بقي إبراهيم بك على الضفة الشرقية للنيل يتابع مجريات الأحداث بعين حذرة، وبعد هزيمة قوات مراد أمام المدافع الفرنسية، أدرك إبراهيم أن النصر مستحيل، فانسحب نحو بلبيس، وترك القاهرة مفتوحة لنابليون الذي دخلها في الرابع والعشرين من يوليو، ليبدأ الاحتلال الفرنسي لمصر.

قرر إبراهيم الرحيل إلى الشام بعد أن فقد الأمل في مقاومة الفرنسيين، وعاش هناك في كنف الدولة العثمانية، مبتعدًا عن الصراعات التي كانت تمزق مصر، وبخلاف مراد الذي واصل القتال والتقلب في مواقفه، اختار إبراهيم العزلة، ولم توثق المصادر الكثير عن سنواته الأخيرة، إلا أن بعض الروايات تشير إلى أنه توفي بين عامي 1816 و1817، بعيدًا عن مصر التي حكمها ذات يوم.

ترك إبراهيم بك إرثًا متنوعًا يجمع بين الحكمة والتنازل، فقد اتصف بالدبلوماسية والتفكير البارد، وفضل الانسحاب على السقوط، لم يكن بعيدًا عن ممارسات المماليك الظالمة، لكنه ظل مختلفًا في طريقته ونهجه، ورغم نهاية حياته التي خلت من الأضواء، بقي اسمه حاضرًا كأحد أبرز أمراء المماليك الذين عرفوا متى يتقدمون ومتى يغادرون المسرح بهدوء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى