اللواء سمير فرج: القيادة السياسية أدركت أن التنمية أنسب الحلول لحماية سيناء

حاورت «مجلة المصور» اللواء الدكتور سمير فرج الخبير الاستراتيجي.. وإلى الحوار..
فى ذكرى تحرير سيناء، التى تُزيّنُ تاريخ مصر الحديث بإرادة صلبة وانتصارٍ جسّدَ قِيَمَ السيادة والكرامة، نلتقى مع رمزٍ من رموز الخبرة العسكرية والاستراتيجية، اللواء الدكتور سمير فرج، لنسلط الضوء على هذه المناسبة الوطنية العظيمة وسط تحدياتٍ إقليمية ودولية معقدة تفرضها المرحلة الراهنة.
تحمل ذكرى التحرير، التى تحتفل بها مصر فى الخامس والعشرين من أبريل، دلالاتٍ عميقةً عن قدرة الدولة المصرية على تجاوز المحن وتحويل التحديات إلى فرص، بدءاً من ملحمة العبور العظيم فى 1973، وصولاً إلى استرداد الأرضِ ذرةً ذرةً عبر مسارٍ دبلوماسى حكيم. لكن اليوم، وفى ظلِّ تداعياتٍ أمنية واقتصاديةٍ تلامسُ حدود الوطن، تبرزُ أسئلةٌ ملحَّة عن كيفية الحفاظ على مكتسبات التحرير، ومواجهة التهديدات الجديدة التى تستهدف استقرارَ سيناء ومصرَ ككل.
اللواء دكتور سمير فرج، الخبير الاستراتيجي، يطلُّ علينا برؤيةٍ ثاقبة تجمع بين خبرة الميدان وعمق التحليل الأكاديمي، لنتعرف من خلال حوارنا على قراءته لتاريخ التحرير، ودروس الماضى التى تنير حاضرَنا، وكيف توظّف مصرُ إرثَها النضالى لتعزيز أمنها القومى فى مواجهة التطرف والإرهاب والأزمات الاقتصادية العالمية.. فإلى نص الحوار
تزامنًا مع الاحتفال بذكرى «تحرير سيناء»،كيف تقارن بين تحديات استعادة الأرض عام 1982 والتحديات التي تواجهها مصر اليوم في الحفاظ على أمن سيناء وتنميتها؟
أكد اللواء الدكتور سمير فرج، أن القيادة السياسية المصرية حالياً بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي أدركت أن سيناء هى مصدر الخطر والتهديد لمصر على مر العصور. لذلك ارتأت الدولة المصرية أن أنسب الحلول لحماية سيناء هو تنميتها وتعميرها.
ومن هنا بدأت خطة تعمير سيناء من خلال العديد من المشروعات القومية فى مختلف المجالات، بداية من أنفاق قناة السويس التي قلصت زمن عبور القناة من الغرب إلى الشرق والعكس ليصبح 20 دقيقة فقط بعد أن كان يستغرق 6 ساعات، وذلك بفضل مشروعات الأنفاق والكبارى العائمة، وكذا إعادة قطارات السكك الحديدية لتمر عبر سيناء بعد توقف طويل دام لسنوات لتيسير حركة المواطنين من وإلى سيناء.
هذا فضلاً عن العديد من المصانع التى شيدت هناك لاستغلال ثرواتها الطبيعية من الرخام والفحم والأسمنت وغيرها، وتبذل الدولة حاليا جهوداً مضنية لتطوير ميناء العريش ليصبح واحداً من أكبر المواني الموجودة فى منطقة شرق المتوسط، وكذا تطوير وتوسعة بحيرة البردويل لتنمية ورفع كفاءة إنتاجها من الأسماك المميزة وتزويد المشروع بكافة المصانع الضرورية من مصانع ثلج وفوم وغيرها من احتياجات صناعة الأسماك.
ووسط هذا كله، لم تغفل الدولة المصرية عن أهل سيناء الشرفاء، حيث عكفت على إقامة مشروعات سكنية لتوطين بدو سيناء فى مناطق متوفر بها مصدر للمياه الجوفية، بحيث يتم ضمان استقرار البدو فى أماكن بعينها وتوفير عليهم مشقة الترحال بحثًا عن المياه، مع التوسع فى العمل على انخراط أبناء سيناء فى المجتمع المصرى بمختلف وظائفه سواء الالتحاق بالكليات العسكرية أو بالعمل فى السلك القضائي وغيرها من مؤسسات وأجهزة الدولة بهدف دمج أهل سيناء في النسيج المصرى.
ماذا عن أبرز السيناريوهات المتوقعة المتعلقة بالوضع في غزة، وما الخطوات المصرية للمجابهة؟
كل الأعمال التى نفذتها إسرائيل حتى الآن تسعـى لتحقيق هدف واحد وهو تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء، إلا أن الدولة المصرية كانت يقظة ومنتبهة لتلك المخططات، لذا خرج الرئيس «السيسي» مراراً وتكراراً فى مختلف المناسبات يحذر من تهجير الفلسطينيين ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب سيناء، واعتبر التهجير «خط أحمر». ولم تدخر الدولة المصرية جهدًا لحشد دعم الدول الحليفة والصديقة لتكوين جبهة دولية لمنع إيقاف تهجير الفلسطينيين ومحاولات تصفية القضية الفلسطينية، ولعل آخرها استقبال الرئيس السيسي لنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون بمصر، وإصدار بيان ثلاثي لقادة مصر وفرنسا والأردن بضرورة العودة العاجلة لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية والعودة إلى مسارات التفاوض، كما زار «ماكرون» رفقة الرئيس «السيسي» مدينة العريش وتفقد عدداً من المستشفيات التى استقبلت بعضاً من الجرحى الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
كيف ساهمت الخبرات العسكرية المصرية خلال حرب أكتوبر ومراحل التحرير في تشكيل الرؤية الحديثة لتطوير القوات المسلحة وتعزيز القدرات الدفاعية للدولة؟
يمتلك الجيش المصرى خبرات قتالية عديدة ناتجة عن معارك ضارية خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال تاريخ مصر الحديث، الأمر الذي يدفعها إلى الحفاظ على متابعة التطوير العالمى المستمر فى أنظمة التسليح والتدريب والقتال، ويبدأ التطوير بالاهتمام بالارتقاء بمستوى الفرد المقاتل سواء الجندى فى مراكز التدريب أو الضابط خلال دراسته بالأكاديمية العسكرية والكليات، حيث يحصل فيها على العلم العسكرى والعلم المدنى المناسب لتخصصه وذلك لمواكبة التطور الكبير الذي يشهده العالم، فعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن القوات المسلحة المصرية تمتلك أحدث أنواع الدبابات على مستوى العالم وهى الدبابة طراز M1A1، كما توسعت القيادة السياسية فى مبدأ تنويع مصادر السلاح من المعسكر الشرقى والغربى وانفتحت على دول أخرى بخلاف الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا مثل ألمانيا وإيطاليا وفرنسا وكوريا والصين وغيرها، بحيث لا يقتصر احتياج القوات المسلحة حال خوضها حرباً ما على طرف بعينه.
في السنوات الأخيرة شهدت سيناء عمليات أمنية مكثفة لمكافحة الإرهاب. كيف تقيم الجهود الحالية لتحقيق الاستقرار، وما أبرز العقبات التي تواجهها؟
كما سبق وأشرت، استغلت التنظيمات الإرهابية الفراغ الكبير والمساحات الواسعة الخالية داخل سيناء والمميزة بتضاريس مرتفعة من سلاسل من الجبال والهضاب، الأمر الذي سهل لها الاختفاء داخل سيناء والإعداد والتجهيز لتنفيذ عملياتها ضد عناصر القوات المسلحة والشرطة المدنية بسيناء، إلا أن إصرار وشجاعة رجال القوات المسلحة والشرطة المصرية وأهالي سيناء الشرفاء تمكنوا من القضاء على الإرهاب فى غضون 6 سنوات وهو أمر لم يحدث فى جميع دول العالم التى خاضت معارك ضد الإرهاب مثل أيرلندا وإسبانيا وإيطاليا وحتى الولايات المتحدة الأمريكية فى أفغانستان وفيتنام.
ما الرسالة التى تحملها زيارة كبار قادة القوات المسلحة والمسئولين بالدولة لسيناء؟
هناك مبدأ رئيسي راسخ فى عقول وأذهان جميع أفراد القوات المسلحة المصرية وهو ضرورة ارتباط القادة مع جنودهم، وهو ما نلمسه من الزيارات الدورية والمستمرة لقادة القوات المسلحة إلى سيناء وتفقد قواتهم، وهو تقليد ليس بجديد على الجيش المصرى فقد استشهد الفريق عبد المنعم رياض وهو يتفقد الجنود والمقاتلين على جبهة القتال.
بعد تعزيز الوجود الأمني والعسكري في سيناء خلال السنوات الماضية،كيف تقيّم الدور الذي تلعبه القوات المسلحة في تحويل سيناء إلى منطقة تحمي العمق المصري،خاصة مع التوترات الإقليمية المتزايدة؟
سيناء تعتبر خط الدفاع الأول للقوات المسلحة لحماية العمق المصرى، وبالتالى تدافع القوات المسلحة المصرية عن العمق المصرى بداية من خطوطها الدفاعية بسيناء، وتعتبر هذه الاستراتيجية بمثابة حصن الأمن والأمان للعمق المصرى ضد أى عدائيات أو تهديدات للدولة المصرية التي نجحت فى قطع الطريق أمام الدعم الذي كانت تقدمه حماس للعناصر الإرهابية فى سيناء عبر تدمير كافة الأنفاق التى كانت تعبر الحدود فى سيناء.
برأيك.. كيف توازن مصر بين جذب الاستثمارات لسيناء والحفاظ على السيادة الوطنية؟
دائماً ما تسعـى الدولة المصرية لتوفير تشريع وقوانين تيسر من عملية الاستثمار وفى الوقت نفسه تحمى السيادة الوطنية، منها قرارات منع التملك للأراضي فى سيناء لغير المصريين الأمر الذي يضمن استمرار السيادة المصرية على كامل أراضيها وبخاصة سيناء، وكذلك متابعة الاستثمارات التى تضخ فى سيناء بحيث لا تستغل فى أعمال تجسسية لصالح جمع معلومات لأجهزة مخابرات دول معادية، لذلك تهتم الدولة المصرية بأجهزتها من التأكد من مصادر الاستثمار وأهدافه.
كيف ترى الانتقادات الدولية بشأن الالتزام بحقوق الإنسان في سيناء، وما ضمانات حماية المدنيين؟
فى الفترة الأخيرة أصبح العالم كله يشاهد المجازر التى ترتكبها إسرائيل فى حق الشعب الفلسطينى من قتل ممنهج وتجويع واستهداف المدنيين والأطفال والنساء وكبار السن، فلم تفرق الآلة العسكرية الإسرائيلية بين عناصر المقاومة التى تعتبر هى الهدف المعلن للحرب على قطاع غزة والمدنيين العزل من الشعب الفلسطينى، ومن قبلهم شهدنا أيضا التجاوزات الكبيرة التى تتعارض مع كافة حقوق الإنسان فى المعتقلات الأمريكية مثل أبو غريب بالعراق.
وجوانتانامو، وبمقارنة الأوضاع فى مصر يمكننا القول بكل ثقة أن الدولة المصرية أصبحت تمتلك مجموعة من أفضل السجون فى العالم خاصة بعد إعادة تأهيلها وتطويرها بمسمـى مراكز إعادة التأهيل والإصلاح، والتى تشمل كافة الخدمات الثقافية والطبية والرياضية وحتى الفنية، فضلا عن المشروع القومي الذى يرعاه الرئيس شخصياً وهو «حياة كريمة» الذي يسعـى لتوفير حياة كريمة لكافة المصريين فى القرى والمراكز الأكثر احتياجا داخل الريف المصري وتوفير أساسيات الحياة الكريمة من الصحة والتعليم والدمج الاجتماعى وفرص العمل اللائقة والمسكن اللائق.
مصر تشهد طفرة في تحديث التسليح،مثل التعاون في تصنيع المدرعات والطائرات المسيرة، ما أبرز الأولويات الاستراتيجية لهذا التحديث في ظل التهديدات الأمنية بمناطق مثل الحدود الشرقية بسيناء؟
دائما ما تضع الدولة المصرية احتياجات الأمن القومي المصري نصب أعينها، فعندما ظهرت الحاجة لحماية منابع نهر النيل فى أعالي إفريقيا قامت الدولة المصرية بتوفير الطائرات الرافال القادرة على الوصول إلى أمدية بعيدة تحمي مصالحنا ، فضلا عن تطوير القوات البحرية بقدرات قتالية أيضا تخدم أمننا القومي، وكذا تطوير المصانع الحربية والتى أنشئت عام 1956 وعانت من سنوات من الإهمال لظروف الحروب التي خاضتها مصر فى تلك الحقبة، إلا أن الرئيس السيسي أولى اهتماما كبيرا بها ورفع كفاءتها وتزويدها بأحدث الماكينات والآلات المميكنة التى لا تحتاج للتدخل البشرى الأمر الذي وفر للدولة المصرية القدرة على إقامة نسختين من معرض الصناعات الدفاعية «إيدكس».
ما دور المواطن السيناوى فى الحفاظ على سيناء ؟
قال اللواء الدكتور سمير فرج: على مر التاريخ لعب السيناوية دورا محوريا ومهما ومساندا للدولة المصرية فى مختلف الحقب والتحديات، لكنهم عانوا من الظلم لفترات ما بافتقارهم للخدمات الأساسية والمدارس والمستشفيات وغيرها، إلا أن الوضع اختلف تماما هذه الأيام فأصبحت الدولة المصرية تولى اهتماما كبيرا بالمواطن السيناوى وتوفير كافة متطلباته الأمر الذي جعل المجتمع السيناوى ينخرط داخل المجتمع المصرى.
كلمة أخيرة توجهها للمصريين والعالم بمناسبة هذه الذكرى، خاصة لأهالي سيناء الذين عانوا من سنوات الصراع؟
لقد فقدنا سيناء فى عام 1967 ، وخاضت الدولة المصرية 4 معارك لاستعادة سيناء حتى اقتحمت القوات المسلحة المصرية قناة السويس لننتقل إلى معركة سياسية خاضها الرئيس الراحل محمد أنور السادات انتهت باتفاقية السلام واستعادة سيناء، لنمر بعد ذلك بالمعركة القانونية لاستعادة طابا وصولا للمرحلة الأخيرة وهى التأمين، لذلك نستلهم من ذلك أن الشعب المصري عندما يكون له حق يقاتل ويقتَل دونه.
كان حوار مفصل مع اللواء دكتور سمير فرج الخبير الاستراتيجي مع مجلة المصور.