حاتم عبدالهادى السيد
أحمد اللاوندى شاعر، وناقد وكاتب صحفى، لمع اسمه وأشتهر من خلال محاوراته الصحافية ، ولأن محافظة كفر الشيخ تزخر بالأعلام من الشعراء وعلى رأسهم الشاعر الكبير / محمد محمد الشهاوى، وعبدالدايم الشاذلى – رحمه المولى – وممدوح المتولى، وعفت بركات وغيرهم، فإن شاعرنا / أحمد اللاوندى يغرد خارج السرب، ويكتب من زاوية متفردة خاصة، يكتب الشعر الرقيق الهامس كجدول نور ينهمر من شلالات الجمال، ويكتب المقالات ، ويحاور الكتاب لإظهار أعمالهم وإبداعاتهم ثم يقوم بنشرها في كبريات المجلات في مصر والوطن العربى .
وأخيراً وجدناه يكتب القصة/ السيرة الذاتية/ حكايات التراث والجدود/ حكاية المكان من خلال كتابه : ” حكايات أبى” ، والتى أراها تمثل أضمومة ، أو متوالية سردية فائقة الروعة والحسن، وشاهقة المعنى والمبنى ،حيث يرصد من خلالها حكايات الريف المصرى، بساطته، إشراقاته، حياته حيث الطبيعة الخلابة، وحكاية المكان، حكاية مصر وأهل الريف البسطاء الطيبيبن، معتقداتهم، طرائق معيشتهم، كما يحلق بنا في أقاليم وأماكن متعددة مغايرة، لنتعرف من خلال حكايات والده على القرية، المجتمع، الكون ، العالم ،الحياة .
إن كتاب: “حكايات أبى” ليست قصصاً كالمعتاد، ولا سير ذاتى روائى سردى، ولا هى قصص تؤطر لمسيرة العلاقة بين الولد والأهل والجيران، بل هى فوق كل ذلك؛ ترصد مسيرة المجتمع المصرى ، الريف وجماله، وعلاقات الأسرة الطيبة، الجيران، الوطن في الريف وحكاياته، وتفاصيله الدقيقة جداً، فهو يكتب بسرد يتماس مع الشعر، ليساوق أفقاً جمالياً ،ورؤى أكثر جمالاً وإبداعاً ، وتجديدية كذلك، ونحن نثمن ما كتب ، ونقول إن أحمد اللاوندى : شاعر وسارد، ومبدع جميل ، ولنا أن نختار احدى هذه الحكايات كأنموذج للتدليل الى الريف المصرى عبر مسروديات الحكاية الشعبية، الحدوتة، الشاهد على العصر والتاريخ والمكان والزمن..
الحكاية الثانية عشر
حكايات أبي
أحمد اللاوندى
حكى لي جارنا الحاج عبد المنعم جمعة، أن تاجر الثلج الوحيد بالقرية وبالقرى المجاورة في أواخر السبعينات قبل دخول الثلاجات كان اسمه: فتح الله النحاس وشهرته (أبو سميرة). هذا الرجل المكافح الصبور، كان يسافر طوال فصل الصيف إلى مدينة فُوَّة القريبة من قريتنا، ليشتري منها الثلج، حيث كان يبيعه لأهل القرية، وعندما يعود به إلى بيته، يلفه بالقش، ويضعه في شكائر من الخيش، حتى يحافظ على تماسكه لأطول فترة ممكنة.
كان عم فتح الله يقف أمام بيته، واضعًا بضع بلاطات على مكتب خشبي متين، ثُبتت أقدامه في الأرض بطريقة محكمة، كي لا يهتز ولا يتحرك من مكانه، ثم يقوم بتكسير الثلج برفق، بواسطة بلطة حديدية عريضة.
الذي كان ينظر إلى عم فتح الله وهو يبيع الثلج؛ يلاحظ، أن ملابسه مَبْلُولة من أعلى بطنه حتى أسفل قدميه، من التصاقه بالمكتب وتناثر الماء المنبعث عليه من قطع الثلج المنكسرة.
أهل القرية، رجال ونساء وأطفال، فرادى وجماعات، خصوصًا في شهر رمضان وقبل ساعة من انطلاق مدفع الإفطار، كانوا يذهبون إليه ليشتروا منه، فمنهم من كان يشتري بنقود، ومنهم من كان يشتري ببيض، ومنهم من كان يشتري بأرز، ومنهم من كان لا يملك شيئًا من هذا ولا ذاك؛ فيعطيه الثلج بالمجان.
رحم الله عم فتح الله النحاس (أبو سميرة)، الذي كان يثلج صدور الناس بثلجه، وبكرمه أيضًا.
يظل الشاعر والكاتب / أحمد اللاوندى يقم الجديد، والجميل، والتغايرى أيضاً .