مرأه بدوية

زواج قطر الندى والمعتضد بالله الذي أفقر مصر وأسقط هيبة الطولونيين

في صفحات التاريخ العربي تسكن حكاية زواج لم يشهد الزمان مثيلا لها جمع بين الأميرة المصرية قطر الندى ابنة خمارويه الطولوني والخليفة العباسي المعتضد بالله فكان الحدث ظاهره فخم يلمع ببريق الذهب وباطنه مليء بدهاء السياسة ورغبة دفينة في كسر شوكة الدولة الطولونية فالمعتضد لم يسعَ وراء العروس بقلوب الشعراء بل بعيون السلاطين الباحثين عن النفوذ.

رأى الخليفة في هذا الزواج طريقا لإفقار خمارويه وضرب اقتصاده وكسر هيبته بين الولاة والأمراء فاستجاب له خمارويه لكنه لم يُظهر الضعف بل بالغ في العطاء حتى بدا كمن يتحدى الدنيا بالبذخ.

ذكرت الروايات أن جهاز قطر الندى أذهل كل من رآه فكان من بين محتوياته دكة من أربع قطع من الذهب تعلوها قبة ذهبية مزينة بسلاسل مرصعة وفي كل سلسلة قرط نادر من الأحجار الكريمة لا تقدر بثمن كما أعد دكة ذهبية أخرى لوضع قدميها عند دخول الحجرة وصنع لها مئة هاون وألف مبخرة من الذهب النقي وجهزت مئات الصناديق المملوءة بالملابس المطرزة والأقراط والفصوص النادرة.

حتى ملابسها الداخلية كانت من فئة فاخرة إذ احتوت على ألف تكة كل واحدة منها بعشرة دنانير فبلغ مجموع تكلفة الجهاز مليون دينار ذهبي أما مهرها فدفع المعتضد مليون درهم فقط وهو مبلغ زهيد مقارنة بالجهاز مما أرهق خزائن مصر الغنية وجعلها خاوية بعد هذا الزواج.

لم يتوقف خمارويه عند هذا الحد بل أمر ببناء قصور مؤقتة على طول الطريق من مصر إلى بغداد لتكون استراحات فاخرة لابنته خلال الرحلة الطويلة وزودها بالخدم والفرش والوسائد والضيافة كأنها أميرة ذاهبة لتتوج ملكة.

وفي نهاية عام 281 هجريا انطلق موكب قطر الندى مع إشراقة الصباح فجلست داخل هودج فاخر تحف به الحرائر والخدم وأمراؤها من أهل البيت الطولوني ترافقها وصيفتها أم آسية لتسليها وترافقها عمتها العباسية وعمها خزرج بن أحمد بن طولون وتولى الإشراف على الرحلة أبو عبد الله بن الجصاص.

تحرك الموكب وسط جنود خمارويه الذين لبسوا الديباج وحملوا السيوف وكانت الموسيقى تعزف أنغامها والشعب يحيي الأميرة ويردد اسم البيت الطولوني ومؤسسه أحمد بن طولون فكل مرحلة توقفت فيها الأميرة شهدت استعراضا لهيبة مصر ومكانتها.

اجتاز الموكب القطائع واتجه نحو بغداد حيث استقبلها العباسيون بالحفاوة لكنها لم تعش بعد الزواج إلا بضع سنوات فتوفيت في قصر الرصافة ببغداد في 7 رجب سنة 287 هجريا وهي في الثانية والعشرين من عمرها فودّعت الحياة باكرا وتركت وراءها حكاية زفاف أسطوري انتهى بمأساة سياسية لأبيها وبداية أفول لدولة الطولونيين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى