تاريخ ومزارات

تل أتريب في القليوبية: جوهرة أثرية تنادي التاريخ وتنتظر المستقبل

أسماء صبحي – في قلب محافظة القليوبية وتحديدًا على الضفة الشرقية لمدينة بنها. تتربع تل أتريب كواحدة من أبرز الكنوز التاريخية المنسية في مصر. إنها ليست مجرد موقع أثري عادي، بل شاهد حي على حضارات متعاقبة من الفرعونية إلى القبطية. مرورًا بالعصرين اليوناني والروماني، حيث شكلت مركزًا دينيًا وصناعيًا وتجاريًا بالغ الأهمية.

وعلى الرغم من القيمة التاريخية والثقافية الكبيرة لتل أتريب. إلا أن هذا المكان لم ينل بعد ما يستحقه من الاهتمام الرسمي أو الشعبي. ما يطرح تساؤلات حول فرص تطويره وتحويله إلى مزار سياحي وثقافي يليق بعراقة المكان وأصالته.

أصول تل أتريب التاريخية 

تقع تل أتريب على بعد كيلومتر واحد شرق مدينة بنها عاصمة محافظة القليوبية. في منطقة شديدة التميز جغرافيًا داخل دلتا النيل. مما أهلها لتكون عاصمة الإقليم العاشر من أقاليم مصر السفلى في العصور الفرعونية.

عرفت في البداية باسم “حات حرى أيت” أي “قلعة وسط الأرض”. ثم تطور الاسم إلى “أتريبس” في العصر اليوناني، وهو الاسم الذي ظل مستخدمًا حتى العصر القبطي باسم “أتريب” ثم “تل أتريب” كما نعرفها اليوم. ويعكس هذا التنوع الاسمي تعدد الحقب الزمنية التي مرت بها المنطقة وتبدل الثقافات فيها دون أن تمحى جذورها المصرية الأصيلة.

الدور الحضاري والاقتصادي

لم تكن أتريب مجرد مدينة، بل كانت مركزًا حضاريًا مهمًا، خاصة في العصور المتأخرة من تاريخ مصر القديم. واشتهرت المدينة بصناعة العطور الطبية، والتي كانت تصدر إلى أنحاء العالم القديم. كما لعبت دورًا في التجارة والزراعة بفضل خصوبة أرضها ووقوعها على مفترق طرق النيل والممرات القديمة المؤدية إلى شرق الدلتا.

ومن الناحية الدينية، عرفت أتريب بوجود معابد مخصصة لعبادة الآلهة المصرية القديمة. وعلى رأسهم الإلهة “حتحور”، رمز الحب والجمال والموسيقى، التي كان لها مكانة خاصة في وجدان سكان المنطقة. حيث أُقيمت لها أعياد وطقوس احتفالية دورية.

الاكتشافات الأثرية في تل أتريب

شهدت أتريب العديد من الاكتشافات الأثرية المهمة التي تؤكد على مكانة المنطقة التاريخية. ومن أبرز هذه الاكتشافات:

  • الحمامات اليونانية الرومانية: وهي واحدة من أهم المعالم التي تم الكشف عنها في تل أتريب. كما تعد من أندر الحمامات المتكاملة في مصر. وتتكون من عدة غرف منها ما يستخدم للخلع والاستحمام والبخار إلى جانب أنظمة صرف متقدمة. وهذه الحمامات تظهر مدى التقدم الحضاري الذي وصلت له المدينة في تلك الحقبة.
  • التابوت الحجري للمدعو “تا أم حر أمون”: وهو تابوت أثري تم العثور عليه في أحد شوارع بنها. ويعود لرئيس الخزانة والمشرف على الحريم الملكي ويحتوي على نقوش هيروغليفية دقيقة ومؤرخة. وتعكس الطقوس الجنائزية والرموز الدينية في ذلك الزمن.
  • قطع فخارية وتماثيل صغيرة: تم استخراجها خلال الحفريات، وتعود للعصور الفرعونية واليونانية. كما تدل على الحياة اليومية والأنشطة الاقتصادية والدينية التي كانت تمارس في المدينة.

التحديات والمعوقات

رغم الأهمية التاريخية للموقع، إلا أن أتريب تواجه عدة مشكلات تعوق تطويرها كموقع أثري وسياحي. ومن أبرز هذه التحديات:

  • الإهمال الرسمي والتعديات: لسنوات طويلة، ترك الموقع دون حماية كافية. ما سمح بظهور تعديات عمرانية وتحول التل إلى مساحة رملية محاطة بمبانٍ عشوائية ما أضر كثيرًا بجمال الموقع وهيبته التاريخية.
  • نقص الوعي الشعبي: لا يدرك الكثير من سكان المنطقة القيمة التاريخية للمكان ما يجعلهم لا يهتمون به أو يشاركون في حمايته. بل في بعض الأحيان يتم استخدام أجزاء منه لأغراض خاصة.
  • قلة الترويج السياحي والإعلامي: غياب الحملات الإعلامية والترويجية عن الموقع الأثري يجعل أغلب الزوار المصريين والأجانب يجهلون وجوده. رغم قربه من القاهرة وسهولة الوصول إليه.

جهود التطوير والتحسين

في السنوات الأخيرة، بدأ بعض الحراك لتحسين وضع المنطقة. خاصة من قبل محافظة القليوبية ووزارة السياحة والآثار. وشملت هذه الجهود إزالة الحلفا والنباتات الضارة التي كانت تغطي المنطقة وتعيق رؤية المعالم الأثرية. واستبدالها بمسطحات خضراء ومناظر تجميلية. وتجديد السور المحيط بالموقع واستبدال السور الخرساني القديم بسور كريتال أكثر أمانًا ومظهرًا حضاريًا.

كما يتم التخطيط لتحويل الموقع إلى مزار سياحي ضمن خريطة السياحة الثقافية لمحافظة القليوبية. التي تشمل أيضًا قصر محمد علي في شبرا الخيمة والقناطر الخيرية.

وقال الخبير الأثري الدكتور أحمد الهادي، المتخصص في آثار القليوبية، إن تل أتريب ليست فقط موقعًا أثريًا، بل هي متحف مفتوح للتاريخ المصري القديم. كما إن ما تحتويه من آثار متعددة العصور يؤهلها لتكون من أهم المزارات الثقافية في مصر. لكن للأسف، فإن غياب التمويل والاهتمام الإعلامي يعطل الاستفادة منها على كافة الأصعدة.

مستقبل تل أتريب

لكي تستعيد تل أتريب مكانتها كواحدة من أبرز المناطق الأثرية. يجب اتخاذ عدة خطوات، منها:

  • إدراجها ضمن برامج السياحة الثقافية الحكومية والدولية. مع توفير خدمات سياحية مثل المرشدين ومراكز الزوار.
  • تشجيع البحث الأكاديمي والحفريات العلمية من خلال التعاون بين الجامعات المصرية والأجنبية.
  • تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية الموقع من خلال حملات إعلامية، وزيارات مدرسية وجامعية منتظمة.
  • توفير تمويل مخصص لحماية الموقع وتنميته، ضمن خطط وزارة السياحة والآثار والتنمية المحلية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى