
لواء دكتور سمير فرج يكتب: سوريا ومصر وقيمة الوطن
شهدت سوريا منذ عام 2011 صراعًا مسلحًا طويل الأمد، شاركت فيه أطراف دولية عديدة، من بينها روسيا، التي دعمت نظام بشار الأسد بهدف الحصول على قاعدة جوية وبحرية، بالإضافة إلى إيران التي قدمت أيضًا دعمًا عسكريًا لنظام الأسد. في المقابل، كان هناك تنظيم داعش، إلى جانب القوات الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، فضلًا عن أطراف أخرى لعبت دورًا في المشهد السوري.
وفي 8 ديسمبر 2024، سقط نظام بشار الأسد على يد أحمد الشرع، الذي أعلن تشكيل حكومة انتقالية. تزامن ذلك مع غزو إسرائيل لهضبة الجولان واستيلائها على جبل الشيخ، وهو ما أدى إلى تصاعد التوترات في المنطقة.
المرحلة الانتقالية
مؤخرًا، أعلن أحمد الشرع توقيع إعلان دستوري يحدد ملامح المرحلة الانتقالية لمدة خمس سنوات، ويمنحه سلطة إعلان حالة الطوارئ، مما أثار موجة من الاعتراضات، أبرزها من طائفة الموحدين الدروز، الذين أعلنوا بوضوح رفضهم لهذا الإعلان الدستوري. وفي الوقت نفسه، تنتظر سوريا نتائج لجنة تقصي الحقائق بشأن أحداث الساحل السوري، التي شهدت استهدافًا للمدنيين من الطائفة العلوية.
رغم اتفاق الشرع مع قوات قسد المدعومة من تركيا، إلا أن الأمور تغيّرت بمجرد تنفيذ الأوامر الأمريكية، حيث انسحبت القوات الأمريكية من مناطق قسد، مما دفع الأخيرة إلى إعادة ترتيب تحالفاتها مع أحمد الشرع.
اليوم، تواجه سوريا بقيادة أحمد الشرع تحديات كبيرة، أبرزها معارضة الأقليات، سواء من قسد أو من جهاد السويداء، التي تمثل الطائفة الدرزية. كما ظهرت على السطح مشكلة اللاجئين السوريين، حيث لا يزال ملايين السوريين في الخارج، يتطلعون إلى العودة إلى وطنهم. وتشير التقديرات إلى أن هناك حوالس 3 مليون لاجئ سوري في تركيا، و2 مليون في لبنان، ومليون في ألمانيا، ومليون في مصر، بالإضافة إلى أعداد أخرى منتشرة في الدول الأوروبية.
لقاء في مطعم سوري
وسط كل هذه الأحداث، جاء اقتراح ابنتي الصغيرة بأن يكون لقاء العائلة بعد في رمضان مختلفًا هذا العام، حيث قررنا أن نجتمع في وجبة الغداء في أحد الأماكن المفتوحة في مدينة 6 أكتوبر، وتحديداً في مطعم سوري، لعلمها بأنني من هواة هذا المطبخ المتميز، ذو الطابع المحبب لنا جميعاً. وبالفعل، توجهنا إليه واستمتعنا بأطباقه الشهية، وأهمها المقبلات السورية. وما أن انتهينا من تناول الافطار، حتى تقدم إلينا صاحب المطعم السوري الجنسية، وعرفني بنفسه، وطلب مني أن نتحدث سوياً لدقائق قليلة، فلم أتردد بالطبع.
والحقيقة أنني لم أتكلم، بل استمعت إلى حديثه، الذي بدأه بقوله: “أنا عندي رسالة أتمنى أن تساعدني في إيصالها إلى مستحقيها”.
واستطرد صاحب المطعم قائلاً: “اللي قال إن مصر أم الدنيا لم يخطئ أبداً… ده قول صحيح مائة بالمائة. لقد حضرنا إلى مصر بعد تردي الأوضاع في سوريا، آملين ألا يطول بنا الأمد خارج بلادنا، وهو ما ظنه كل من غادر مختلف المدن السورية هرباً من القتال وقصف الطيران والمدفعية، بعدما تهدمت المنازل وانقطعت الخدمات، سواء المدارس أو المياه أو الكهرباء، واستحالت الحياة على أرض بلادنا الحبيبة”.
حديث من القلب سوريا ومصر وقيمة الوطن
وتابع الرجل: “منا من اندفع من شمال سوريا نحو تركيا، فانتهى بهم الحال، وعددهم 2 مليون سوري، في معسكرات اللاجئين في المنطقة الحدودية، يعيشون في أسوأ ظروف يمكن أن يتخيلها إنسان، رغم ما يوفره الاتحاد الأوروبي لتركيا من مساعدات لتمويل إقامة السوريين، خوفاً من تدفقهم إلى أوروبا بالطبع. ومع ذلك، فإن أي محاولة سورية للقيام بعمل تجاري، تُجابه بكل أعمال العنف والبطش التركي”.
استكمل الرجل حديثه قائلاً: “أما من تمكن منا من الوصول إلى أوروبا، فلا يضاهيه في سوء معيشته إلا الموجودون منا على الحدود التركية، فكلهم محشورون في معسكرات لا حياة فيها”، ودلل الرجل على ذلك بواقعة احتراق أحد معسكرات اللاجئين السوريين في اليونان منذ أسابيع، التي انتهت باندفاع اللاجئين السوريين إلى الشوارع بلا مأوى، بينما الجيش اليوناني يطاردهم.
هجرة إلى لبنان
“أما من فروا إلى لبنان، لقرب المسافة بينها وبين سوريا، فإما يعيشون في معسكرات لاجئين، أو يعيشون تحت خط الفقر، ويعملون بأجور زهيدة للغاية، لا تكفي لسد الرمق، بينما رجال الأعمال السوريون الذين قرروا نقل أموالهم إلى لبنان، كانت خسارتهم فادحة، بعد تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية والسياسية التي ألمت بلبنان الشقيقة، ولا يعلم مداها اليوم إلا الله”.
لم أقاطع الرجل، بينما هو مستطرد في حديثه قائلاً: “أما من راهن على مصر فقد ربح. فمنذ وصولنا إلى الحبيبة مصر، لم نشعر يوماً بغربة… لقد أحسن أهل مصر استقبالنا، ولم تتاجر قيادتها بقضيتنا، لقد تقاسمنا معكم العيش، والتحق أبناؤنا بمدارسكم وجامعاتكم. ولما طالت إقامتنا وبدأنا في أعمالنا التجارية، لم نسمع من مصري من يقول إننا نزاحمهم في أرزاقهم. بل انضم إلينا العديد من الشباب المصري، حتى توسعت أعمالنا معاً، يداً بيد، وأموالنا محفوظة، لا قيود عليها… فلما ننظر إلى حالنا، وحال إخوتنا الذين تشتتوا في البلاد شرقاً وغرباً، نبكي على حالهم، متمنين لو أنهم اختاروا مصر”.
تابع الأخ السوري حديثه قائلاً: “آخر ما أريد قوله… شكراً لكل المصريين. لا بد وأنكم فخورون بانتمائكم لأم الدنيا، التي احتضنتنا، كما احتضنت من سبقنا إليها من الإخوة الليبيين والعراقيين. ولا زالت تفتح ذراعيها لنا بلا كلل أو ملل.
سوريا ومصر وقيمة الوطن
ورسالتي لكم في مصر: حافظوا على بلدكم؛ فالعرب من غير مصر لا شيء… أنتم القوة الحقيقية الوحيدة التي يستند إليها العرب… خافوا على بلادكم، ولكم فينا وفي جيرانكم عبرة وعظة… فالكل متربص بكم ولا يريدون لكم خيراً، وعلى رأسهم مثلث الشر. قطر وتركيا وإيران، إلا أن تكاتفكم ووحدتكم والتحامكم بجيشكم القوي العظيم هو حائط الصد القادر على دحر كيدهم… إن الأمان الذي تعيشون فيه نعمة غالية، لا يشعر بها إلا من ذاق مرارة التهجير، وفقد البيت والوطن”. انتهى الحوار هنا.