حوارات و تقارير

تاريخ “الفول المدمس” أشهر طبق على مائدة المصريين في رمضان

أميرة جادو

يعد “الفول المدمس” الوجبة الأساسية للمصريين، حيث يتناولونه بشكل يومي تقريبًا خلال وجبة الإفطار على مدار العام، كما يحتل مكانة رئيسية على مائدة السحور في شهر رمضان الكريم.

تاريخ الفول المدمس

يرجع تاريخ تناول الفول المدمس إلى العصور المصرية القديمة، حيث كان يعتمد عليه كمصدر للبروتين، ويعرف بأنه الأكلة الشعبية الأشهر في مصر، حيث يتم إعداده بطرق متنوعة، لكنه يعتمد في أساسه على حبوب الفول المطهية مع عصير الليمون ومجموعة من التوابل، أبرزها الملح والكمون.

وفي الحضارة المصرية القديمة، كان الفول يطهى في قدر كبيرة، صنعت في البداية من الفخار ثم من النحاس، حتى استبدلت بقدور الألومنيوم التي تستخدم حتى يومنا هذا.

وكان قدماء المصريين يعتمدون على وضع الفول في قدور مملوءة بالماء، ثم تترك هذه القدور في رماد الفرن حتى تنضج تمامًا، وهي الطريقة التي عرفت باسم “المستوقد”، حيث كان المكان الذي يتم فيه طهي الفول بهذه الطريقة.

أصل التسمية.. لماذا سمي “الفول المدمس” بهذا الاسم؟

يرتبط اسم “الفول المدمس” بطريقة طهيه التقليدية، حيث تعني كلمة “مدمس” في اللغة المصرية القديمة “الفول المدفون”، وهي مشتقة من الفعل “تمس”، والذي تم تحويره في اللغة العربية ليصبح “مدمس”.

وهناك رواية أخرى تشير إلى أن أصل الاسم يعود إلى رجل يوناني يدعى “ديموس”، كان يعيش في مصر القديمة ويمتلك حمامًا عامًا، وكان يستخدم مستودع خلفي في الحمام لحرق القمامة بهدف تسخين المياه.

خطرت لديموس فكرة استغلال الحرارة المتولدة عن حرق القمامة في طهي الفول، فقام بوضع قدر الفول وسط النيران حتى ينضج، وكانت النتيجة مرضية، ومن هنا انتشرت هذه الطريقة في مصر وأطلق المصريون على الفول المطهو بهذه الطريقة اسم “مدمس” نسبة إلى “ديموس”.

الفول المدمس في الحضارة المصرية القديمة

وفي هذا الإطار، أكد الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار، أن المصريين القدماء عرفوا الفول كنبات، وزرعوه بكميات كبيرة، كما ظهر في بردياتهم وعلى جدران المعابد، لكن في بداية الأمر، لم يكن الفول يستخدم كغذاء للبشر، بل كان يزرع كعلف للحيوانات، وكانت زراعته تفيد التربة بشكل كبير.

وأشار “شاكر”، إلى أن تاريخ الفول المدمس في مصر يعود إلى بدايات عصر الأسرات، حيث تم العثور على بذور الفول في مقابر تعود إلى الأسرة الثانية عشرة، كما وجدت آثاره في مدينة طيبة خلال عصر الدولة الحديثة.

كما أوضحت بعض الأوراق الطبية القديمة، مثل “إيبِرس” و”هاريس”، إلى الفول بأسماء متعددة مثل “أوربت”، “أور”، و”أوري فور”.

وأردف “شاكر”، أن تسمية “الفول المدمس” مشتقة من الكلمة المصرية القديمة “مدس”، التي تعني “مدفون”، وذلك بسبب طريقة الطهي التي كانت تعتمد على دفن الفول في الرماد الساخن حتى ينضج، وهو ما يعكس مدى تعقيد عملية تحضيره في العصور القديمة.

والجدير بالإشارة أنه تم العثور على بذور الفول في مواقع أثرية مهمة، مثل سقارة وكوم أوشيم، التي تعود للعصر اليوناني الروماني، كما وثقت نقوش مقبرة رخيمي رع، وزير الملك تحتمس الثالث، عملية تسليم كميات من الفول والعسل لخزانة معبد آمون.

“قدرة الفول”.. السر وراء الطعم المميز والأنواع المختلفة

أوضح “شاكر”، أن مصطلح “القدرة” المستخدم لوصف وعاء طهي الفول له جذور مصرية قديمة، حيث تعود الكلمة إلى اللغة القبطية، وتحديدًا إلى كلمة “هيدرا”، التي تعني “جرة” أو “قدر”.

ولا تزال كلمة “القدرة” متداولة حتى اليوم في اللهجة العامية المصرية، حيث يقال “قدرة الفول” للإشارة إلى الإناء الذي يطهى فيه الفول.

ويشتهر الفول المدمس بتعدد أنواعه، حيث يعتبر من أكثر الأطباق تنوعًا في طرق التحضير، وقد أورد العلامة أحمد أمين في موسوعته “قاموس العادات والتقاليد والتعابير المصرية” وصفًا دقيقًا لطريقة إعداد الفول المدمس، والذي يعتبر من الأطعمة الأساسية، لاسيما  خلال فصل الشتاء وشهر رمضان.

وفي سياق متصل، كشف العلامة علي الجندي في موسوعته “قرة العين في رمضان والعيدين”، أن الفول المدمس كان ولا يزال وجبة غذائية متكاملة، حيث يتناوله الأغنياء والفقراء على حد سواء، نظرًا لقيمته الغذائية العالية وسعره المناسب، حتى أن المصريين يطلقون عليه اسم “مسمار الضلعة”، نظرًا لقدرته على منح الشعور بالشبع لفترات طويلة.

وقد أبدع المصريون في إعداد هذا الطبق، حيث تختلف طرق تحضيره بين المحافظات، ففي القاهرة، يتم تقديمه بالزيت والليمون والكمون، بينما يفضل الإسكندرانية تناوله بالبصل والطحينة وزيت الزيتون، أما في الدلتا، فيضاف إليه الطماطم والكزبرة، ويحضر أحيانًا كطاجن بالبيض، وفي دمياط، يخلط الفول بالحمص، بينما يشتهر الصعيد بإضافة الزيت الحار والصلصة والشطة والثوم إليه، ليصبح أكثر كثافة وقوة في النكهة.

كيف انتقل الفول المدمس من مصر إلى العالم العربي؟

لم يقتصر انتشار الفول المدمس على مصر، بل امتد إلى دول عربية أخرى، حيث أصبح جزءًا لا يتجزأ من ثقافتها الغذائية.

ففي السودان، يعرف الفول المدمس باسم “حبيب الشعب”، ويتم تحضيره مع إضافة البصل، التوابل، الطماطم، واللبن الرائب، كما يتم إعداده كوجبة تعرف باسم “البوش”، والتي تعتمد على مزج الفول بالخبز مثل الفتة.

أما في المملكة العربية السعودية، فقد انتقل الفول المدمس إلى الحجاز عن طريق الحجاج المصريين، وسرعان ما انتشر بين سكان مكة والمدينة، قبل أن يصبح وجبة رئيسية على موائد الإفطار، خاصة في شهر رمضان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى