فنون و ادب

العود.. سلطان الآلات الموسيقية وسر النغم الشرقي

يعد العود آلة وترية عريقة تمتد جذورها في عمق الثقافة العربية، فهو ليس مجرد أداة موسيقية بل رمز للفن الشرقي الأصيل، تعتمد أنغامه على أوتار تضرب بريشة العازف لتنتج ألحانًا آسرة، وصفه القدماء بأنه “سلطان الآلات وجالب المسرات”، واعتمد عليه الفلاسفة وعلماء الموسيقى في وضع نظرياتهم، كما أنه الرفيق الدائم لكبار المطربين العرب الذين يستخدمونه لإضفاء لمسة خاصة على أغانيهم، بينما يلجأ إليه الملحنون لصياغة ألحانهم بروح شرقية خالصة.

ما هي آلة العود؟

يتكوّن العود من صندوق صوتي خشبي يبلغ طوله خمسين سنتيمترًا، وأوسع نقطة فيه تصل إلى سبعة وثلاثين سنتيمترًا، يتصل به عنق طوله عشرون سنتيمترًا، وينتهي بقاعدة المفاتيح التي يبلغ طولها اثنين وعشرين سنتيمترًا، حيث تتوزع أحد عشر مفتاحًا لضبط الأوتار، يتم شد خمسة أوتار ثنائية الشد بشكل متوازٍ مع وجه الصندوق الصوتي، ويبلغ طول كل وتر منه ستين سنتيمترًا، يحتوي وجه العود على فتحات مزخرفة تعرف بـ”الشمسية”، تصنع من الخشب أو العاج، وتعمل على تعزيز الصوت، أما الأوتار فتنتهي عند المشط، وهو قطعة خشبية صغيرة مثقوبة تربط أطراف الأوتار، كما توجد الرقعة المصنوعة من الباغة أو مواد مشابهة لحماية العود من اصطدام الريشة أثناء العزف.

تحيط بالعود أساطير عدة حول مخترعه، حيث تنسب صناعته إلى “لامك” أحد أبناء الجيل السادس بعد آدم، وقيل إن بطليموس هو من ابتكره، ويروي المسعودي عن ابن خرداذبه أن “لامك” فقد ولده الحبيب فصنع العود على هيئة جسده تعبيرًا عن حزنه، كما ورد في “الكامل” للمبرد أن نوح عليه السلام كان أول من صنع العود لكنه اندثر بعد الطوفان، بينما ينسب الفرس صناعته إلى الملك “جمشيد”، الذي أطلق عليه اسم “البربط”، وجعل أوتاره ترمز إلى طبائع الإنسان المختلفة.

تاريخيًا، عرف المصريون القدماء العود منذ أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، حيث ظهر في الدولة الحديثة حوالي 1600 ق.م برقبة قصيرة، كما عثر على عود فرعوني في مدافن طيبة يعود إلى 1300 ق.م، وقد وصف الأدباء العود بعبارات دقيقة، حيث قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة إنه محدب الظهر، أرسخ البطن، له أربعة أوتار تهز المشاعر وتبعث الطرب.

شهد العود تطورات عديدة عبر العصور، ففي الجاهلية كان بثلاثة أوتار وصندوق صوتي صغير وعنق طويل، ثم أصبح في العصور الإسلامية بأربعة أوتار وصندوق أوسع مع إضافة قاعدة المفاتيح، وفي الأندلس أضاف زرياب وترًا خامسًا، بينما أضيف مؤخرًا وتر سادس لإعطاء نغمات أكثر عمقًا، كما تغيرت فتحات العود من ثقوب دائرية إلى أشكال هندسية كالهلال والنجوم السداسية.

كان للعود دور بارز في الموسيقى الشرقية والغربي، فقد انتقل إلى الأندلس مع العرب، ومن هناك إلى أوروبا، محتفظًا باسمه في اللغات الأوروبية، وكان العلماء العرب أول من وثق أسس العزف عليه، حيث شرح الكندي في مخطوطته “رسالة الكندي في اللحون والنغم” تركيب العود وأنواع أوتاره وتسويتها، بينما قدم الفارابي في “كتاب الموسيقى الكبير” وصفًا دقيقًا للأوتار والدساتين وطريقة العزف، مما جعله آلة فريدة لا تزال تستخدم حتى اليوم بنفس الأسلوب الذي اتبعه العازفون منذ آلاف السنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى