فنون و ادب

وراء كل مثل حكاية.. قصة “بيدن فى مالطا” و”بعد خراب مالطا”

أميرة جادو

لطالما كانت الحارة المصرية القديمة بمثابة المنبع الذي تفجرت منه أروع الأمثال الشعبية والأقوال المأثورة، حيث لعبت دورًا رئيسيًا في حفظ التراث المصري الأصيل الذي تناقلته الأجيال على مر العصور، لم يكن سكان الحارة الشعبية يرددون أي مثل أو عبارة دون أن يكون لها مغزى حقيقي يستند إلى تجربة واقعية أو موقف يومي ملموس، فقد تميز المصري القديم بالفصاحة وسرعة البديهة، فكان قادرًا على صياغة الحكم والأمثال التي تعكس أفكاره وانتقاداته بشكل لاذع وساخر، مما جعل تلك العبارات الشعبية بمثابة قاموس متحرك يحمل بين طياته العديد من القصص والحكايات، سواء الأسطورية أو الواقعية، التي ظلت متداولة بين الناس حتى يومنا هذا.

“بيدن في مالطا؟”.. قصة مثل شعبي يعكس الإهمال والتجاهل

واحد من أشهر الأمثال التي يستخدمها المصريون في حياتهم اليومية هو المثل القائل: “هو أنا بيدن في مالطا؟”، والذي يقال عندما يتحدث شخص إلى آخر ولا يجد أي اهتمام أو استجابة لكلامه.. أو حينما يحاول أحدهم إصلاح وضع ما لكن دون جدوى، فما أصل هذا المثل؟

يرجع هذا التعبير إلى الفتح العثماني لجزيرة مالطا عام 958هـ، حيث لم يفرض العثمانيون على سكان الجزيرة اعتناق الإسلام، فظلوا متمسكين بدياناتهم الرئيسية. وعلى رأسها المسيحية. ونتيجة لذلك، كان يرفع الأذان في المساجد دون أن يستجيب له أحد أو يذهب للصلاة، ما جعل هذا المشهد يخلد في الذاكرة التاريخية. ويصبح رمزًا لعدم التجاوب والتجاهل التام، ليتم استخدامه لاحقًا في المواقف التي لا تجد فيها استجابة لما تقوله أو تفعله.

ورغم ذلك، فإن مالطا لا تزال تحتفظ حتى اليوم بالعديد من الآثار الإسلامية، من مساجد وقصور ذات طابع معماري مميز. كما تم بناء مركز إسلامي كبير في الجزيرة يضم مسجدًا ومدرسة، ويعيش بها حاليًا نحو 60 ألف مسلم.

“بعد خراب مالطا”.. مثل شعبي يعبر عن فوات الأوان

أما المثل الشهير الآخر، “بعد خراب مالطا”، فيقال عندما يأتي شخص متأخرًا بعد انتهاء الحدث، أو حين تبذل الجهود بعد فوات الأوان، فما أصل هذا المثل؟، يعود هذا التعبير إلى حدثين تاريخيين رئيسيين شهدا دمار جزيرة مالطا.

الحادثة الأولى كانت في عام 1798م، حينما احتل نابليون بونابرت وجيشه الفرنسي الجزيرة، وظلوا فيها لمدة عامين قاموا خلالهما بهدم القصور والكنائس، وسلبوا ونهبوا كل ما يمكنهم الاستيلاء عليه. مما دفع أهل الجزيرة إلى الفرار واللجوء إلى جزيرة صقلية المجاورة. وعندما استعادها البريطانيون عام 1800م بقيادة السير ألكسندر بال. عاد سكان مالطا إلى ديارهم، لكن بعد أن أصبحت الجزيرة في حالة خراب تام، ومن هنا جاء المثل الذي يعبر عن العودة المتأخرة التي لا طائل منها.

أما الحادثة الثانية، فقد وقعت خلال الحرب العالمية الثانية، عندما كانت مالطا تحت الاحتلال البريطاني. حيث تعرضت لهجوم مكثف من ألمانيا وإيطاليا، اللتين كانتا في صراع مباشر مع بريطانيا آنذاك. تعرضت الجزيرة لقصف شديد أدى إلى تدميرها بالكامل، مما أجبر سكانها على النزوح مجددًا. وبعد انتهاء الحرب، عادوا إلى موطنهم مرة أخرى، ولكن كما هو الحال دائمًا.. “بعد خراب مالطا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى