مدينة الموتى في القاهرة: مقبرة الأحياء والأموات التي تحكي أسرار التاريخ

تحتضن القاهرة واحدة من أعظم المقابر الإسلامية في العالم، مدينة الموتى، التي يعود تاريخها إلى الفتح الإسلامي لمصر في القرن السابع. في ذلك الوقت، أصبح السهل الواقع عند سفح جبل المقطم، جنوب شرق القاهرة الحالية، موقعًا مهمًا لدفن الشخصيات البارزة في تاريخ مصر، وعلى رأسهم عمرو بن العاص، القائد الذي فتح مصر وتولى حكمها لسنوات طويلة.
قصة مدينة الموتى
بدأت القرافة الكبرى، أو ما يعرف اليوم بمدينة الموتى، في التوسع مع تعاقب حكام مصر، فأضيفت إليها مناطق جديدة شمالًا وجنوبًا، حتى أصبحت تمتد لمسافة 12 كيلومترًا، وتغطي مساحة تقدر بنحو 1000 هكتار، لتضم مقبرتين رئيسيتين: الجبانة الشمالية والجبانة الجنوبية.
كما تتجلى أهمية مدينة الموتى في قيمتها التاريخية والمعمارية، حيث تضم مدافن السلاطين والمماليك وحكام مصر، إلى جانب شخصيات سياسية وفنية واقتصادية بارزة. هذا ما أكدته جليلة القاضي، المهندسة المعمارية ورئيسة قسم الأبحاث في معهد أبحاث التنمية المستدامة بباريس، في كتابها “عمارة للموتى: مقبرة القاهرة في العصور الوسطى” الصادر عام 2007.
دفع الشغف بفن العمارة الإسلامية المهندس المصري هشام عبد العاطي إلى استكشاف مدينة الموتى وتوثيق معالمها النادرة بعدسة كاميرته. تحدث عبد العاطي عن تجربته، مشيرًا إلى أن صحراء المماليك أو الجبانة الشرقية تخفي كنوزًا أثرية حقيقية قلما يحظى أحد بالاهتمام بها رغم أهميتها. من وجهة نظره، تتميز هذه المقبرة بمساحتها الشاسعة التي تجعلها مكانًا فريدًا في قلب العاصمة المصرية.
الجبانة الشرقية، التي استخدمها ملوك وأمراء مصر منذ نهاية القرن الرابع عشر الميلادي، تزخر بآثار معمارية مبهرة مثل المساجد والخانقاوات والمدافن الملكية. في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، أصبحت تضم مجموعة معمارية نادرة تجسد روعة الفن المملوكي. وفقًا لموقع وزارة السياحة والآثار المصرية، تحتوي الجبانة على أكثر من عشرين قبة دفن، تسع منها ملحقة بالمساجد، ومن أشهرها قبة ومدفن خانقاة فرج بن برقوق، خانقاة السلطان إينال، قبة جاني بك الأشرفي، قبة قرقماس، ومسجد وخانقاة السلطان الأشرف برسباي، إلى جانب قبة ومدرسة السلطان قايتباي.
كما يصف عبد العاطي مدينة الموتى بأنها عالم غامض ينبض بالإلهام والتاريخ، حيث يمتزج عبق الماضي بأجواء مفعمة بالشجن والخيال. خلال زيارته القصيرة، ركز على توثيق بعض القباب المملوكية ذات الجمال الفريد رغم ما تعانيه من الإهمال، إلى جانب المساجد التي تعتبر تحفًا معمارية نادرة وأطلال البوابات الأثرية التي تروي حكايات القرون الماضية.