“الجعران وتميمة القلب” أسرار الفصل 30 من كتاب الموتى”
كتبت شيماء طه
الحضارة المصرية القديمة مليئة بالأسرار والرموز التي تكشف عن إيمان المصريين العميق بالحياة بعد الموت. من أبرز هذه الرموز “الجعران”، الذي كان جزءًا لا يتجزأ من الطقوس الجنائزية.
إرتبط الجعران بتجدد الحياة والبعث، وكان يُستخدم كتميمة توضع فوق صدر المومياء في موضع القلب، مصحوبة بنصوص من “كتاب الموتى” لتوفير الحماية الروحية للمتوفى.
أهمية القلب في الطقوس الجنائزية
في عملية التحنيط، كانت الأعضاء الداخلية مثل الكبد، والرئتين، والمعدة، والأمعاء تُنزع من الجسد وتوضع في الأواني الكانوبية الأربعة، بينما يُترك القلب داخل الجسد المحنط.
اعتقد المصريون القدماء أن القلب هو مركز الوعي والذاكرة ومصدر القرارات الأخلاقية، ولذلك كان له دور محوري في محاكمة الروح أمام الإله أوزير.
مع ذلك، لحماية القلب من الشهادة ضد صاحبه في “قاعة المحاكمة الإلهية”، كان يتم وضع تميمة على شكل جعران فوق صدر المومياء. هذه التميمة حُفر عليها نص الفصل الثلاثين من “كتاب الموتى”، الذي جاء فيه:
“يا قلبى من أمى، يا سبب وجودى على الأرض، لا تقف شاهداً ضدى، ولا تعارضنى فى قاعة المحكمة. لا تعترض ضدى فى حضور الآلهة، واعتمدى علىّ فى حضرة الإله العظيم سيد الغرب”
وظيفة الجعران وتصميمه
تم تصميم الجعران ليحمل رموزًا دينية تعكس أهمية دوره. الجعران المعروض حاليًا في المتحف البريطاني يعود إلى عصر الدولة الحديثة، وهو تميمة مميزة تحمل نقشًا يمثل طائر البنو، رمز الإله رع، بالإضافة إلى وجه بشري محفور على القلب.
هذا الجعران لم يكن مجرد تميمة، بل كان يُعتبر أداة سحرية تضمن توازن القلب في “قاعة المحاكمة”.
يُوزن القلب في هذه القاعة مقابل ريشة “ماعت”، رمز العدالة والنظام الكوني. إذا كان القلب خفيفًا كريشة، يدخل صاحبه الفردوس الأبدي، أما إذا كان ثقيلًا، فيواجه مصيرًا مظلمًا.
الأواني الكانوبية
الأعضاء التي كانت تُنزع من الجسد خلال التحنيط كانت تُحفظ داخل أوانٍ كانوبية، مزينة برموز لأبناء حورس الأربعة، الذين كانوا يحمون هذه الأعضاء لضمان استخدامها في العالم الآخر. كان هذا جزءًا من الإعداد الدقيق الذي يعكس إيمان المصريين القدماء بأن الموت ليس نهاية الحياة، بل بوابة لرحلة أبدية.
الجعران رمز للموت والحياة
استخدم المصريون القدماء الجعران في الحياة اليومية أيضًا، حيث ارتدوه كحُلي للحماية من الشرور وضمان النجاح. وبفضل شكله المرتبط بالخنفساء، التي ترتبط بالشمس ودورة الحياة، أصبح الجعران رمزًا للبعث والتجدد.
الجعران وتميمة القلب يجسدان جزءًا من عقيدة المصريين القدماء التي جمعت بين الروحانية والدقة العلمية. بفضل هذه الطقوس المتقنة.
التميمة التي تحمل نصوص الفصل 30 من “كتاب الموتى” ليست مجرد أثر، بل شاهد على إيمانهم بأن العدالة والمحبة هما الطريق للحياة الأبدية.